منوعات

“الذعر الاستهلاكي” يتصدر قائمة الظروف القاهرة لفتح اقتصادات العالم

اقتصادنا 28 مايو 2020

في الوقت الذي تشير المعطيات القائمة إلى أنه من المبكر إعادة فتح الاقتصادات في ظل استمرار جائحة فيروس كورونا المستجد، لكن في المقابل فإن هناك قائمة تتضمن محاور عدة تحتّم على الحكومات حالياً ضرورة ذلك.

وبخلاف خطط التحفيز الضخمة التي أعلنتها الحكومات، فإن المخاطر التي خلّفها الفيروس ما زالت قائمة حتى الآن، حيث تشير التقارير إلى أن الاقتصاد العالمي يواجه أزمة أكبر وأعنف من الكساد العظيم الذي واجه الاقتصاد العالمي في ثلاثينيات القرن الماضي بمرات عدة.

ويشير تحليل حديث إلى أن استعادة النشاط الاقتصادي أصبح العنوان الرئيس الأبرز في إجراءات دول العالم التي تواجه جائحة كورونا، فعقب فترة تصل إلى أشهر من تبني إجراءات الإغلاق والحظر، رفع العديد من الدول القيود على الأنشطة الاقتصادية مع تبني تدابير احترازية لمواجهة احتمالات “الارتداد الوبائي” وظهور موجة ثانية من تفشي الفيروس. فعلى سبيل المثال، بدأت ألمانيا في 21 أبريل (نيسان) الماضي في فتح بعض المحال التجارية مع تطبيق إجراءات الوقاية والتباعد الاجتماعي.

في ما أعلن رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، أن بريطانيا ستُعيد فتح الآلاف من متاجر الشوارع الرئيسة والمتاجر الكبرى والمراكز التجارية خلال يونيو (حزيرن) المقبل. كما أعلنت اليابان، قبل أيام، رفع حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد. وأيضاً، توقعت محافظة طوكيو، يوريكو كويكي، أن “العاصمة ستدخل بسرعة إلى المرحلة الأولى من رفع القيود إذا أنهت الحكومة حالة الطوارئ، وسيسمح ذلك للمكتبات والمتاحف باستئناف نشاطها، وستظل المطاعم مفتوحة لفترات أطول في المساء، وستتضمن المراحل التالية إعادة فتح المسارح ودور السينما وأرض المعارض”.

نمو حالة الخوف والذعر لدى المستهلكين

التحليل الذي أعده مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة أشار إلى صعود “الذعر الاستهلاكي”، حيث تُدرك الحكومات جيداً أن انتشار الأوبئة من شأنه أن يولّد حالة من الخوف لدى المستهلكين تجعل التنبؤ بردّ الفعل الاستهلاكي أمراً صعباً للغاية. فالانخفاض الحادّ في معدلات الاستهلاك لا يتناسب تماماً مع معدلات انتشار المرض، وبمعنى آخر فإن كل إصابة جديدة لا يقابلها قيام مستهلك واحد بخفض استهلاكه بل العشرات منهم، في ما يُعرف بالمرونة السلوكية للانتشار.

وهذا السلوك المرن الناتج عن شعور الخوف يسبّب انخفاضاً حادّاً في الطلب الكلي، ويؤثر سلباً على نمو الناتج المحلي الإجمالي بغضّ النظر عما إذا كانت العدوى تنتشر بنفس معدلات الانخفاض في الاستهلاك من عدمه. وفي تلك الحالة، يكون سلوك حكومات البلدان التي لم يتفشَّ فيها الفيروس بشكل كبير ميّالاً إلى التعليق الجزئي للنشاط الاقتصادي مع الإبقاء على الخدمات الحيوية، وذلك للتخفيف من آثار الذعر الاستهلاكي المتوقعة طالما سمح الوضع الصحي بذلك، في حين تميل الدول ذات معدلات الإصابة المرتفعة جدّاً إلى حظر شبه كلي للنشاط الاقتصادي طالما أن الوضع الصحي أصلاً لا يسمح بالتعامل مع الحالات الموجودة بالفعل.

ولذلك، تكون قرارات عودة النشاط الاقتصادي متناسبة صعوداً وهبوطاً مع المرونة السلوكية للمستهلكين، أخذاً في الاعتبار أن شعور الخوف كما أسهم اقتصادياً في خفض حاد وسريع في معدلات الطلب، فإنه قد يسبّب صعوداً بطيئاً نسبياً في هذه المعدلات في حالة إعادة فتح عدد من أنشطة السوق. لذلك فإن الإعلان عن عودة جزئية للنشاط الاقتصادي من شأنها أن تلعب دور “بالونة الاختبار” لما وصل إليه شعور الخوف بالنسبة إلى المستهلكين، بخاصة وأن هناك فترة إبطاء بين اتخاذ القرار الاقتصادي وظهور آثاره، وهي قد تطول إذا ظلت معدلات الذعر الاستهلاكي في مستويات مرتفعة رغم الانحسار الرقمي في معدلات الإصابة.

إجراءات احترازية لتفادي الدخول في كساد

ولفت التحليل إلى أن الحكومات تكافح من أجل تفادي وضع “الكساد”، فعلى الرغم من اتفاق الدول على الإجراءات الاحترازية المتبعة، فإن الأداء الاقتصادي وتأثير غلق النشاط على مؤشرات الاقتصاد يتباين من دولة إلى أخرى. ففي الهند، على سبيل المثال، فالقطاع الغذائي، بخاصة الزراعي، يجذب أكثر من 50 في المئة من القوة العاملة، وتعطيل هذا القطاع الاقتصادي قد يعُجّل بتحوّل حالة الركود إلى كساد، مما سيؤثر على قطاعات الاقتصاد الأخرى، ومنها القطاع الصحي، وهو ما تسعى الدول لتفاديه.

وبالتالي، فإن قرار تعليق قطاعات اقتصادية واستمرار قطاعات أخرى يتوقف على إسهامها في الناتج المحلي الإجمالي، ومدى التأثير المباشر لقطاع معين على تدهور المؤشرات الاقتصادية بشكل جذري، وذلك للحيلولة دون الوصول إلى مرحلة الكساد. هذا، ولا ينطبق ذلك المنطق فقط على السلع الأساسية مثل الأغذية، ولكن يمتد أيضاً لقطاعات تكميلية تحتل نصيباً كبيراً في الناتج المحلي الإجمالي للدول، مثل قطاع صناعة السيارات في ألمانيا، والعقارات والإنشاءات في فرنسا وكوريا الجنوبية.

كما أنه يُفترض في الحكومات، أن تضع احتمالية لعودة نسب الإصابة في الارتفاع في حالة تخفيف بعض القيود على النشاط الاقتصادي، ومن ثم فإنه من المفترض أن تكون الحكومات قد عملت على زيادة قدرات القطاع الصحي في الفترة الماضية، تمهيداً لصدور قرارات باستعادة النشاط تدريجيّاً. وبالتالي فإن قرارات عودة النشاط الاقتصادي ومداها ستكون مرهونة بما استطاعت الدول تحقيقه في مجال رفع قدرات قطاعاتها الصحية، وهو ما عملت عليه ألمانيا، على سبيل المثال لا الحصر، عندما نجحت في رفع عدد أسرّة العناية المركزة من 28 ألف إلى 40 ألف سرير.

متى تكون سياسة خفض الفائدة مناسبة؟

ويشير التحليل إلى تأكيدات محللي السياسة المالية بأن مرور الاقتصاد بحالة ركود اقتصادي يستوجب تخفيض نسبة الفائدة على الودائع والإقراض لتوفير سيولة مالية في الأسواق، وذلك لأنه في حالة تخفيض الفائدة يفضل المواطنون أن يسحبوا ودائعهم ويقوموا بشراء سلع أو عقارات تحتفظ بقيمة أموالهم بدلاً عن وضعها في البنوك بنسبة فائدة ضعيفة، وكذلك المقترضون يفضلون الاقتراض من البنوك في ظل انخفاض الفائدة مما يجعل تكلفة قروضهم أقل من أوقات ارتفاع الفائدة، وهو ما من شأنه أيضاً توفير سيولة في السوق للتغلب على حالة الركود.

ولكن هذه السياسة تكون ذات مفعول في الدول ذات نسب الفائدة العالية، بينما لا يكون لها أي تأثير في الدول ذات نسب الفائدة التي تقترب من صفر. لذا فإن إجراءات عودة النشاط الاقتصادي تكون أكثر إلحاحاً من الناحية الاقتصادية لدى الدول التي تعتمد على الاستهلاك بشكل كبير، وتقلّ نسب الفوائد بها، حيث تكون أدوات السياسة المالية في أضيق تأثيراتها في مقابل زيادة دور الشركات والقطاع الخاص.

ولذلك اتجهت الدول الغربية إلى التسريع بعودة النشاط الاقتصادي رغم عدم القضاء على الفيروس نهائيّاً. وبالنسبة إلى الدول ذات نسب الفوائد العالية؛ فإن زيادة السيولة في الاقتصاد تقتضي وجود أنشطة اقتصادية متاحة لصرف تلك النقود المتوفّرة على السلع والخدمات تفادياً لارتفاع نسب التضخم بشكل كبير، ولذلك مهما كانت تلك الإجراءات مؤثرة فإن تلك الدول تميل أيضاً بعد حين إلى زيادة حجم النشاط الاقتصادي المتوفر لتصريف السيولة.

بطالة تتصاعد بشكل مرعب في جميع الدول

وتطرّق التحليل إلى تصاعد نسبة البطالة في العديد من دول العالم، وتكمن المشكلة الحقيقية في فقدان عدد كبير من المواطنين وظائفهم من دون وجود أي آليات مالية تصحيحية في هذا الخصوص. من هنا، تكون سرعة الدول في إعادة النشاط الاقتصادي رغم عدم القضاء على المرض نهائيّاً مرهونة بمدى قدرتها على تعويض من فقدوا وظائفهم.

وفي هذا السياق، قام العديد من الدول بتعويض العمالة غير المنتظمة، حيث رفع كل من فرنسا وإسبانيا إعانات البطالة. ومن ثم، فإن ارتفاع معدلات البطالة سيدفع الدول في وقت معين لبدء فتح النشاط الاقتصادي، لأنه في تلك الحالة لن يكون من المنطقي إجبار الناس على التزام منازلها من دون تعويضها بالحد الأدنى من الدخل، حيث يفاضل الفرد بين الإفلاس الاقتصادي أو التعرض للمرض.

ولذلك، فإنه مهما نما وكبر حجم وقوة الاقتصاد، فإن معدل الزيادة في معدلات البطالة وسرعة تفاقمه متغيّر حيوي في سرعة الإعلان عن استعادة النشاط الاقتصادي كليّاً أو جزئيّاً.

وأوضح التحليل أن هذه المحاور تدفع الدول إلى تخفيف القيود على النشاط الاقتصادي. وعلى الرغم من قوة اقتصادات الدول المتقدمة، فإن هيكل تلك الاقتصادات يحوي بداخله العوامل الهيكلية التي تشجّع على التعجيل باستعادة أنشطته في أسرع وقت.

في الوقت نفسه، يتخوّف المحللون الاقتصاديون المهتمون باقتصادات الدول المتقدمة، مثل الولايات المتحدة وأوروبا، من حدوث فترة انكماش ثانية في حالة عودة الإصابات، ومن ثم حدوث فترة انكماش ثانية قد تؤخر من استعادة النمو الاقتصادي المعتاد لمدة تصل إلى ثلاث سنوات بدلاً عن سنة ونصف في حالة عدم حدوث أي تراجعات جديدة.

وكالات

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى