الشرق الأوسط

محمد سعيد النابلسي والنزاهة الوطنية

اقتصادنا – دبي
حرفة السياسات النقدية، وهو يقول بعد خبرة طويلة: «يا ابني الحمد لله من السبيعنيات وانا وزير ومحافظ بنك مركزي وتقاعدي اليوم 350 دينارا لكني مرتاح، فيدي نظيفة..» الزيارة لمكتبه وهو يتابع العمل في الاستشارات المصرفية، تنقطع حين تأتي سيدة ممن استحق دفع اقساط جمعيتها التي يَجهد النابلسي لتوفير الدعم لها من أهل الخير.

ولأن العمل الخيري لا يفصح ويبقى رهين السرية، خرجت قليلا؛ ليوقع الدكتور شيك الدعم، ثم عدنا ليستمر الحديث مع النابلسي عن خبرته وصلاحياته التي منحت له حين كان محافظا للبنك المركزي والتي تجعل المرء يفكر إلى أي درك وصلنا اليوم في اسقاط هيبة المؤسسات وحصانتها. فهذا الرجل الذي بدأ الوزارة مع حكومة احمد اللوزي العام 1972 وتحس انه عتيق، وبوعي حاد ووطنية سامقة، تحس أمامه اليوم أنه يضع يده على قلبه من وضع الاقتصاد الاردني.

شغل محمد سعيد النابلسي سدة الرئاسة محافظا للبنك المركزي لمدة تسعة عشر عاما على فترتين ، الاولى من 1973 وحتى 1985 ، والثانية من 1989 وحتى 1995، في الثانية استقدم وقد كان يعمل براتب كبير بالنسبة لرواتب الأردن في الكويت بصندوق التنمية الكويتي، يومها دخل البلدُ أزمة تاريخة في حكومة زيد الرفاعي؛ التي اسقطتها احداث نيسان 1989. فعاشت الأردن ازمة اقتصادية مزدوجة (انخفاض في قيمة الدينار، وتراجع حاد في الاحتياطي من العملة الصعبة.) وهذا النوع من الأزمات نادر الحدوث.

طلب الملكُ الحسين رحمه الله النابلسي ،وكان حذر سابقا من الوصول لتلك الأزمة، وتم اللقاء في منزل الشريف (الأمير) المرحوم زيد بن شاكر، قال له الملك الحسين: أمامك مهمة يا دكتور، وطلب هو مهلة اسبوع وسافر باجازة، درس بها الوضع جيدا وعاد واستلم عمله الذي انتهى بخروج الاردن من عنق الزجاجة وهو يشدد على ان ذاك الزمان عمل فيه فريق واعٍ من الرجال لإدارة ازمة الاقتصاد.

النابلسي يوم اعيد تعينه، طلب من الحسين صلاحيات وان تكون علاقته به مباشرة، وكان هناك ديون على الديوان الملكي لبعض البنوك، نحج الرجل في ترتيب عملية سدادها، ولكنه عاد للملك وقال «يا سيدي في ناس حولك بتدينو من البنوك على اسمك، أي بكفالتك» فقال الحسين رحمه الله:وما الحل؟: قال النابلسي: تربط أي شخص يريد اخذ قرض منهم بشرط موافقتي، وهكذا كان..».

في الحديث مع هذا الرجل الكبير تفاصيل كثيرة، لكن ما يعنيننا في زمننا الصعب، مقولته» الحمد لله ايا ابني يدي نظيفة وتقاعدي 350 دينارا..» والعاقل ينظر في تقاعد محافظي البنك المركزي والوزراء وغيرهم من رجال إدارة الدولة اليوم ويتدبر إلى اي درجة افتقدنا لنماذج نزاهة وطنية مثل الدكتور محمد سعيدالنابلسي.

د. مهند مبيضين صحيفة الدستور الأردنية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى