النفط ينهض من كبوته.. وهذه الدولة تحقق انتصاراً

اقتصادنا 24 يونيو 2020

اعتبرت صحيفة بوبليكو الإسبانية في تقرير لها أن الرياض ستبزغ بقوةٍ اقتصادية وجيوسياسية أكبر من بعد الأزمة النفطية التي ولدت جرّاء انهيار الطلب إبّان جائحة كورونا، وذلك بفضل الخفض التاريخي لإنتاج النفط والذي شاركت فيه روسيا والولايات المتحدة بحماس.

وأكد محللو أسواق الطاقة أن كل المنتجين يلعبون دوراً في سوق النفط، بيد أن السعودية تنتصر دائمًا، وفق القول المأثور للبنوك في المجال المالي.

وكان السلاح الذي تسلّحت به الرياض مُجددًا -كما جرت العادة- لرفع أسعار النفط هي سياسة تخفيض الحصص الفعّالة، وذلك من داخل أوبك، وهي المنظمة التي تحولت إلى نادٍ زاد أعضاؤه، وذلك مع انضمام روسيا ومنتجين آخرين جدد إلى طاولة مفاوضات هذا الاتحاد.

علاوة على ذلك، فقد حازت هذه المنظمة، التي تحوّلت إلى مسمى أوبك بلس منذ عام 2016، على موافقة الولايات المتحدة، الدولة التي أصبحت منذ بضع سنوات أكبر مصدر صافٍ للنفط.

ويأتي هذا بفضل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب التي تخضع لصيحات الإنذار الصادرة من مجموعة الضغط النفطية النافذة، المتواجدة في البيت الأبيض منذ وصوله إلى السلطة، أمام غياب أيّة استراتيجية لمكافحة التغير المناخي.

ولقد شهدت الصعوبات المالية في صناعة النفط الأميركية – المستوطنة أعمق الاستيطان في تكساس- آثار الخمول الاقتصادي الذي أدى إليه الوباء، وإيقاف أعمال الاستخراج بالتكسير، إلى جانب الانهيار التاريخي للطلب على النفط.

ومع هذه العوامل، كانت أسعار خام غرب تكساس في حالة أسعار سلبية، إذ وصل الحال في عدة أيامٍ في إبريل إلى الدفع لسحب البراميل أمام امتلاء المخزونات.

وقد وضعت هذه الحال، شركات النفط الصخري الأميركي على حافة الإفلاس، كما حددت وكالة فيتش قبل عدة أيام 25 شركة نفطية أميركية في مناطق مقاربة لتصنيفات السندات غير المرغوب بها بسبب الضغط المالي العالي في ميزانياتها؛ إذ سجل خام غرب تكساس، في 20 إبريل، سعرًا يبلغ 37,63- دولارًا، وهذا هو أحلك الأيام سوادًا في تاريخه.

وذكر تقرير الصحيفة أن اتفاق الاتحاد النفطي المزدوج، أوبك بلس، جاء بعد أسابيع من انقسامات بين كلتا الكتلتين، حيث تلعب الرياض وموسكو أدوارًا مشتركة بينما تقف واشنطن خلف الكواليس.

وجاء اتفاق خفض الإنتاج النفطي، في أوقات اشتد فيها تراجع الطلب على النفط في الأسواق، وقد جاء الحل في نهاية المطاف مع قرار خفض الإنتاج العالمي بنسبة 23%، أي ليس أقل من 10 ملايين برميل نفط يوميًا، لينبعث النفط مجددًا وكأنه طائر الفينيق، كما في الأساطير الإغريقية.

وتأتي هذه الأحداث النفطية، كما حصل في أحداثٍ سابقةٍ كثيرة في التاريخ الحديث؛ حيث استعاد الخام 85% من قيمته في مايو، حسب ما تؤكد ماركيت إنسايدر، وهي قفزةٍ غير مشهودٍ من قبل، فحتى تلك القفزة في سبتمبر من عام 1990 لا تقارن مع سباق الارتفاع الحالي، وذلك بعد بداية التدخل العسكري الأميركي –عاصفة الصحراء- في حرب الخليج الأولى، عندما ارتفع النفط 44.6%.

وقد ترك النفط وراءه أسوأ سلوكٍ له في أسواق الطاقة منذ الحرب العالمية الثانية، مع انخفاض الطلب بنسبة 6% هذه السنة، كما توقعت وكالة الطاقة الدولية، وهو أمرٌ غير مسبوقٍ في زمن السلام، عندما كان يرتفع طلب شراء العقود الآجلة سنة بعد سنة، بيد أن السعودية تسعى الآن إلى إلزام شركائها بالحصص الجديدة، وهو هدف غير سهلٍ على الإطلاق.

وليس من السهل إلزام الدول بحصص خفض الانتاج، لأن دولًا مثل المكسيك -والمنضمة إلى الفريق الذي يُدار من روسيا- قد استثنيت من ذلك، بينما من داخل كتلة أوبك الكلاسيكية، فإن دولًا مثل العراق ونيجيريا وأنغولا يحملون على عاتقهم تاريخًا طويلًا من عدم الالتزام.

ضم دول جديدة

كما يجب ضم كازاخستان إلى هذه الدول من المساحة الواقعة تحت مظلة روسيا، إلا أن جميعها قدّمت وعودًا محددة للرياض وموسكو بالالتزام بحصصها في شهر يونيو الحالي، والتعامل مع عقود يوليو وأغسطس الآجلة، مع تخفيضٍ أكبر سيضع حصصها وفق المعايير التي نصت عليها المنظمة.

وتستعد هذه الدول للعمل في الربع الثالث من العام، في الوقت الذي يشير فيه إجماع السوق على الانطلاق الأولي للاقتصاد العالمي، والنتيجة واضحة فعلًا، فلقد تجاوز برميل برنت لتسليمه في أغسطس مبلغ 40 دولارًا بعد فقدان 36% من قيمته في الأشهر الأربعة الأولى من السنة الحالية.

وتتمتع الرياض بعدة عقود من التميز في استخدام الطاقة كأداة للسياسة الخارجية، مهما كان مدى ما تعلمته موسكو في توظيفها الطاقة بأقصى جهدها منذ وصول بوتين إلى الكرملين.

ومع التصعيد في الأسابيع الأخيرة، بدأ تحالف الرياض وموسكو في الضغط على بقية المنتجين وإجبارهم على التكيف الصارم مع التخفيضات المقدرة، لدرجة أن العراق أعطى موافقته على تخفيض أكثر من 1.3 مليون برميل يومي للتكيف في المستقبل القريب مع فائض شهر مايو من الحصة المخصصة له.

وكما حدث في نيجيريا، فإنه، ووفقًا لـبلومبرغ، ستنكمش منافذها السوقية بنسبة 50%، حتى تجاوز مستويات الـ 40 دولارًا للبرميل، في انتظار التعافي الذي من شأنه تعزيز الطلب مرة أخرى، عندها فقط سترى أوبك بلس احتمالية إعادة تكوين نطاقٍ مرن، وإن كان ضعيفًا، من الحصص الإنتاجية، وفي نظر الرياض، فإن الجزء الأول من الاستراتيجية يتحقق مع تصاعد الأسعار في مايو وتجاوز منطقة التداول السلبية للشهر الماضي.

ومع شركة أرامكو السعودية، الأفضل بين شركات الطاقة الكبرى، وأكبر شركة في العالم، وذات العقود المضمونة في آسيا بعلاوة بمعدلات مرتفعة، بزيادات تتراوح بين 5.60 و7.30 دولار للبرميل، والمُبرمة مع المملكة من الاقتصادات الآسيوية، والتي كانت طوال أشهر مضت ذات أفضلية مقارنةً بأسواق أوروبا والولايات المتحدة في سباق الانفتاح نحو عودة طبيعية الأنشطة، على حساب تفشي الوباء المحتمل؛ بيد أن قدرة السعودية خصوصًا على التأثير، في هذه المناورة، قد بدت واضحة.

القبضة السعودية

والمقصود استخدام السعودية لأدواتها السياسية والجيوستراتيجية وتلك المتعلقة بالطاقة لجعل برميل النفط الخام ينهض من سباته، لأن انتعاش السوق مرتبط بانتعاش بقية الدول المنتجة للنفط، وكذلك تلك التي تنتمي إلى الجزء الأكبر من مصدري المواد الخام، وما يترتب على ذلك من وقوعها تحت قبضة الرياض، وكذلك تشكيل ضغط على الشركات التي تمتلك مصافي في أوروبا وآسيا، والتي تخشى من تخفيض هوامش أرباحها في أوقات الركود الاقتصادي، أو على الأكثر، نهوض غير مؤكد للنشاط، وذلك مع انتعاش أسعار النفط الخام.

لا توجد قبضة استراتيجية أفضل بالنسبة للسلطات السعودية من الحصول على دعم الدول المنتجة، ومشاركتها تكتيكًا للأسعار والتخفيضات، وفي الوقت نفسه، السيطرة على الشركات الغربية متعددة الجنسيات، ومما زاد الطين بلة للشركات، أنها حصلت أيضًا على ترحيب الولايات المتحدة، والتي ترى في ردة الفعل تلك شريان حياة لصناعة النفط لديها، وعلى حد تعبير دونالد ترمب ذاته: “قبل شهر واحد فقط، كان لدينا سيناريو كارثي في مجال الطاقة، حيث كانت الأسعار أقل من الصفر. لقد أنقذنا القطاع في فترة زمنية قصيرة، ومن أنقذنا؟ روسيا والمملكة العربية السعودية”.

عودة كبار المنتجين

أكد جاسون بوردوف من مجلة فورين بوليسي على العودة القوية لكبار منتجي النفط، في وقت انخفضت فيه قدرة الولايات المتحدة على استخراج النفط إلى النصف في غضون شهرين فقط، وفي ظل التزام 4 مليار شخص في العالم بعدم الخروج من المنزل لمواجهة تفشي كورونا، مما قد يودي بأربع من كل عشر شركات عاملة في القطاع النفطي إلى حالةٍ من الإعسار بنهاية العام، إلى جانب احتمالية خسارة 220 ألف عامل لوظائفهم.

وقد دعمت تلك المعطيات وجهة نظر ترمب؛ إلا أن السعودية ستبرز هذا العام، بحسب ما أورده بوردوف في مقاله حول هذا السياق، كمنتصرة اقتصاديًا وجيوسياسيًا، وذلك برغم أن أسعار النفط ما تزال بعيدة عن 80 دولاراً للبرميل، ورغم الضغوط على عائدات تصدير النفط بالنسبة المملكة.

ولقد أدى الوضع الحالي لسوق النفط، إلى تأجيل بعض من خطط سعودية؛ ذلك أن الرياض ستكون بمثابة المصدر لإعادة إمداد السوق بالنفط مع انتعاش النشاط العالمي للطلب على الطاقة عبر القدرة على إعادة تنشيط قدرتها الاستخراجية، وذلك على النقيض من بلدانٍ أخرى كنيجيريا والعراق وكازاخستان التي عصف بها انعكاس تضارب أسعار صرف النقد الأجنبي على عملاتها في أسواق الصرف، أو فنزويلا التي تعيش حالة تأهبٍ اقتصادي واجتماعي.

من جانبٍ متصل، يشكل خفض الإنتاج الذي تقوده وترعاه السعودية ركيزة استراتيجيتها الهادفة إلى رفع أسعار النفط إلى 80 دولارًا على المدى المتوسط، وسط نسبة دين متدنية في المملكة قياسا إلى الناتج المحلي الاجمالي، والتي تبلغ 24%.

الوضع المالي

كما تبلغ احتياطيات السعودية، بوجه عام 474 مليار دولار، وهو المستوى الذي تحدده وكالات التصنيف بالمخاطرة المحتملة في الدفاع عن عملتها ضد التقلبات الخارجية.

وفي المقام الأول يعد الريال مرتبطًا بالدولار، كما تأتي توقعات إدارة معلومات الطاقة الأميركية (EIA) بعودة الطلب على النفط إلى مستويات ما قبل فيروس كورونا (كوفيد-19) بحلول نهاية هذا العام بمثابة عامل إيجابي.

وتبدي الوكالة الدولية للطاقة تشاؤمًا في إطار منظورها العالمي، حيث تُقدّر نسبة الانخفاض بنهاية عام 2020 ما بين 2% و3% لما كانت عليه فترة ما قبل ظهور الوباء.

وفي المقابل، ستبرز فوائد قطاع صناعة النفط الأميركية جليةً وذلك على حد قول المحلل السابق لمؤسسة غولدمان ساكس، أرجون مورتي، وذلك عبر تحقيق شركات النفط الأميركية للتوازن في عائداتها بوصول الأسعار إلى 50 دولارًا للبرميل.

من جانبٍ متصل عملت السعودية، في إطار النظام الجيوسياسي، على تعزيز العلاقات مع كل من الكرملين الذي يرى من الناجع بمكان التعامل مع الرياض كحليف فيما يتعلق بأسعار النفط، وكذلك مع البيت الأبيض.

ولقد تراجع ممثلو الحزب الديموقراطي في الكونغرس -مجلس النواب ومجلس الشيوخ- وعدد من الجمهوريين بعد أن هتفوا لعدة أشهر لإحياء قانون تشريعي ضد “أوبك” حيال الممارسات الاحتكارية؛ وهي القضية البارزة حاليًا بين أروقة الكونغرس الأميركي.

علاوةً على ذلك، تلعب العلاقات بين الرياض وموسكو دورًا حاسمًا في ترجيح كفة الصراعات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، خاصةً في إطار ملفي سوريا وإيران.

ومن ناحيةٍ أخرى ستكون العلاقات مع الولايات المتحدة أساسيةً لمعرفة ما إذا كانت الرياض سوف تمدد فترة خفض الإنتاج من عدمه فيما يتعلق بـ”أوبك+” خلال الاجتماع المقبل بنهاية يوليو، والذي لا يُستبعد أن تُقرر فيه اقتطاعات أخرى من حجم الإنتاج العالمي.

العربية.نت

Volume 0%
Exit mobile version