Uncategorizedأخر الأخبارمنوعات

كيف تحولت رقعة نفايات المحيط الهادئ إلى مصدر تهديد بيئي جديد؟

اقتصادنا – وكالات

تُغيِّر رقعة النفايات الشهيرة في المحيط الهادئ توازن الكائنات الحية في البحار، حيث استوطن الآن 37 نوعاً بيولوجياً على الأقل من الكائنات الساحلية –مثل الديدان والكابوريا والمحار وأمثالها– منطقة التشابك البلاستيكي التي يبلغ حجمها مثل ولاية تكساس، ما حوّلها إلى موطن عائم غير طبيعي.

النتائج، التي صدرت الأسبوع الماضي في دورية “نيتشر إيكولوجي أند إفوليوشن” (Nature Ecology and Evolution) العلمية، تشير إلى مدى تشبث الكائنات الحية بالحياة، إذ تُعامل مجموعة متنوعة من الكائنات المنبوذة نفاياتنا على أنها سفينة نوح الخاصة بها.

لكن الأمر ليس مدعاة للاحتفال، حيث يجب أن يكون ذلك بمثابة جرس إنذار لإقامة موانع أقوى وأكثر إلزاماً ضد استخدام المحيطات كمكان للتخلص من البلاستيك.

يشعر العلماء بالقلق إزاء البلاستيك الذي يتشابك ويصبح جزءاً من أجسام الحيوانات التي تعيش فيه، خاصة أن ذلك سيصل إلى أعلى سلسلة الغذاء. كما أنهم يشعرون أيضاً بالقلق من أن النفايات البلاستيكية في طريقها لأن تصبح حزاماً ناقلاً للأنواع التي قد تصبح نوعاً دخيلاً في مواطنها الجديدة، ما قد يقضي على كائنات أخرى.

جزيرة من البلاستيك
رغم أنها عادةً توصف بأنها جزيرة عملاقة من البلاستيك، فإن رقعة النفايات ليست كتلة صلبة وإنما تشكيلة متشعبة من الأغراض البلاستيكية، من الزجاجات إلى فرش الأسنان وشباك الصيد.

بفضل تيار دائري مستمر يُعرف باسم الدوامة، فقد تجمّعت هذه النفايات في منطقة واحدة في قلب شمال المحيط الهادئ. وجمعت تيارات أخرى رقع نفايات مشابهة أقل شهرة، من بينها واحدة بالقرب من جزيرة إيستر في جنوب المحيط الهادئ.

رقعة النفايات الموجودة في شمال المحيط الهادئ هي الأكبر بفارق كبير. عندما أبحر الباحث والناشط ماركوس إيريكسن عبر هذه الرقعة، رأى أفقاً لا ينتهي من المياه التي تعكر لونها بسبب التلوث بجزيئات البلاستيك.

“إيريكسن”، وهو مؤسس “فايف غايرز إنستيتيوت” (5Gyres Institute) في كاليفورنيا، يُسمي هذه الرقعة “الضباب الدخاني البلاستيكي”. في دراسة نُشرت الشهر الماضي في مجلة “بلوس وان” (PLOS One) العلمية، يُقدِّر “ماركوس” وزملاؤه أن الضباب الدخاني البلاستيكي في كل أنحاء العالم يحتوي على 170 تريليون قطعة بلاستيكية إجمالاً.

اكتشاف مفاجئ
جيمس كارلتون، أستاذ علوم البحار في كلية “وليامز” (Williams College) والمؤلف المشارك في الورقة البحثية عن الكائنات التي تعيش على ظهر رقعة النفايات، قال إن الأنواع البيولوجية التي عُثر عليها على ظهر الأغراض البلاستيكية الضخمة، يُرجح أن تكون مجرد عينة صغيرة من إجمالي الكائنات الموجودة في تلك البقعة.

وأعقبت النتائج اكتشافاً سابقاً جاء بالقدر نفسه من المفاجأة. كان “كارلتون” يدرس الكائنات الدخيلة على امتداد الساحل الغربي للولايات المتحدة، حينما بدأ في 2012 يرى كتلاً ضخمة عائمة من الحطام تنقل الكائنات البحرية الساحلية في أنحاء المحيط الهادئ. أدرك “كارلتون” وزملاؤه أنهم ينظرون إلى حطام من موجة التسونامي الذي ضرب فوكوشيما في 2011.

لم تدفع موجة تسونامي مليون منزل مليء بالأغراض البلاستيكية إلى المحيط في تاريخ الكوكب من قبل. عام تلو الآخر، بدأت الكتل العائمة تتوالى، بما في ذلك المراكب وأرصفة السفن والثلاجات ومواد بناء المنازل وأدوات المطبخ. نشر الباحثون نتائجهم في دورية “ساينس” (Science) في 2017.

انتشار المخلفات
وصلت بعض هذه المخلفات إلى الساحل في شمال غرب المحيط الهادئ، وقد يكون بعضها قد انضم إلى رقعة النفايات.

على مدى التاريخ الجيولوجي، فإن الكتل العائمة من الحطام الذي نتج عن عوامل طبيعية، نقلت على الأرجح الكثير من الكائنات الحية إلى الجزر– العظاءات أو الزواحف والضفادع إلى هايتي، والحلزونات الأرضية إلى هاواي، وحتى السلاحف إلى جزر غالاباغوس.

قال “كارلتون” إن الكتل العائمة تملك تأثيراً عميقاً على توزيع الكائنات الحية على ظهر الكوكب، ويحدث ذلك الآن بوتيرة زمنية متسارعة بشكل كبير. أضاف: “رغم أنها كانت ظاهرة درجت الآراء على الاستشهاد بها في علوم البيئة والأحياء والجغرافيا الحيوية، فإننا لا نتوقع إطلاقاً رؤيتها بالفعل في حياة الإنسان”.

مشكلة البلاستيك تفرض واقعاً جديداً
بما أن الكتل العائمة التي تكوّنت بفعل الطبيعة كانت مصنوعة من المواد القابلة للتحلل، لم تستطع الطفو عبر المحيطات الشاسعة.

قال “كارلتون”: “أخبرت طلابي على مدى 25 عاماً في محاضرة علم البيئة البحرية أنه إذا انجرف أحد الأنواع البيولوجية الساحلية إلى داخل البحر، فلن يعود، لم يكن يوجد ما يصلح للأكل في عرض المحيط، والبيئة لم تكن صالحة للبقاء على قيد الحياة”. لكن مشكلة البلاستيك غيّرت ذلك الواقع.

يقول “كارلتون” إن النفايات قد تكون في مرحلة تكوين نوع من النقل المحوري لإعادة توزيع الأنواع البيولوجية– بمجرد أن تصل إلى سنغافورة، مثلاً، فهي تنتشر، وإذا وصلت إلى هونغ كونغ، فهي قد تنتشر إلى مزيد من الشواطئ والجزر.

عواقب انتقال الكائنات إلى غير موطنها الطبيعي
أي أنواع بيولوجية بإمكانها أن تصبح دخيلة، فهذا الأمر ليس متأصلاً في الكائن الحي، لكنه أحد تبعات انتقاله من منطقة لأخرى عبر إحدى الوسائل غير الطبيعية.

ستموت بعض الأنواع البيولوجية في موطنها البيئي الجديد، لكن البعض الآخر سيتفوق على الكائنات التي تعتبر تلك المنطقة بيئتها الطبيعية، وسيُحوِّل نظاماً بيئياً متنوعاً إلى مجتمع من نوع بيولوجي واحد فقط، أو قد تحمل هذه الأنواع كائنات طفيلية تقضي على الأنواع البيولوجية المحلية، وهو مصير واجهه أغلب المحار في خليج تشيسابيك.

تغلب على الأنواع الدخيلة الميول العامة، وتقضي على الأنواع التي تعيش على كائنات بعينها، ما يترك لنا كماً أقل من المأكولات البحرية لإطعام العالم، إلى جانب تنوع وجمال محدودَين.

قال “إيريكسن”، مؤسس “فايف غايرز إنستيتيوت”: “فيما حاولت بعض المجموعات إزالة القمامة من رقعة النفايات، فذلك أمر لا جدوى منه. الأهم من ذلك هو التوقف عن إلقاء المزيد من النفايات في المحيط، وهذا سيتطلب على الأرجح معاهدة دولية جديدة تفرض عقوبات على التخلص من النفايات في البحر. الكثير من البلاستيك الذي نتخلص منه يكون مصيره مكبات النفايات، لكن في بعض الدول، كان من الأرخص تحميله على ظهر سفن ضخمة وإلقائه في البحر”.

أضاف “إيريكسن” أن نحو نصف النفايات مكوّنة من شباك الصيد وغيرها من الأدوات. إحدى الوسائل لإزالة هذه النفايات هي منح مكافأة للصياد الذي يستخرج من الماء الأدوات التي تخلص منها أو فقدها الغير.

لا يزال بإمكاننا الإعجاب بتشبث الكائنات الصغيرة، التي نجحت في البقاء على قيد الحياة في رقعة النفايات، لكننا سنكون جميعاً أفضل حالاً إذا كانت تلك الكائنات قد بقيت في بيئتها الطبيعية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى