أخبار عالميةأخر الأخبار

مكيدة لسرقة ثاني أسرار عبوة “كوكا كولا” المعدنية

اقتصادنا – وكالات

سجلت شانون يو آخر خروج لها من مكاتب ”كوكا كولا“ في أتلانتا في مساء 8 أغسطس 2017. كانت الشركة حينئذ تكافح لتحافظ على مكانتها على قمة سوق المشروبات العالمية، إثر انتقال مستهلكين كانوا أوفياء لمنتجاتها ليقبلوا على علامات تجارية جلبت مياهاً من مكامن في البراري أو استخدمت أعشاباً علاجية أو روجت رياضات تتحدى الألم، بديلاً من شعار المرح الفوار والثقافة الجماهيرية.

تضمنت خطة رئيسها التنفيذي الجديد إعادة هيكلة تشمل إقالة 1200 موظف. كانت يو، وهي كيميائية خمسينية، أُبلغت قبل عدة أسابيع من ذلك أنها إحداهم.

حين تُقصي شركةٌ شخصاً ما، يكون ممكناً أن يأخذ شيئاً معه، وقد كانت ”كوكا كولا“ صاحبة أشهرأسرار تجارية في العالم، تتكيف بشكل خاص مع هذا الخطر.

عندما يغادر الموظفون شركةً قد يصطحبون بياناتها

كان لديها مخطط تصنيف على غرار مكتب استخبارات، حالها في ذلك حال شركات أخرى التي تتعامل في معلومات مسجلة كملكية لها، ولديها برامج تتعقب كيفية استخدام موظفيها للبيانات.

في ذلك الصيف، مع تزايد أعداد الموظفين الذين علموا أنهم مغادرون، بدأ نظام منع تسرب البيانات يضج بتنبيهات بشأن ما يفعلون. جاء في شهادة مدير أمن المعلومات لدى”كوكا كولا“ فيما بعد: “قول إن هذا النشاط فجّر نظام منع تسرب البيانات لا يوفي ما كان عليه الحال حقه وصفاً”.

نتج كثير من هذا النشاط عن استعادة الموظفين لملفات شخصية سبق أن خزنوها على كمبيوترات العمل مثل الإقرارات الضريبية ومشاريع مدارس الأطفال ومعلومات القروض المصرفية. لكن ذلك لم يكن كل ما هنالك.

وصفات سرية
كانت شانون يو قادرة على بلوغ بعض المعلومات التي تحافظ الشركة على سريتها بشدة، وهي مجموعة وصفات كيميائية تفصيلية للبطانات البلاستيكية لعبوات المشروبات المعدنية التي تعبئها وتبيعها، وتبلغ سماكة تلك الأغلفة ميكرونَين، وهي ما وصفه المدعي الاتحادي في وقات لاحق بتعبير “صيغ سرية أخرى” للشركة.

لقد طورتها بتكلفة كبيرة، وربما كانت تفوق في أهميتها الوصفة التي تبالغ الشركة في حراستها وهي وصفة المشروب الغازي الذي يحمل اسم ”كوكا كولا“. هذا المشروب الحمضي السكري من شأنه أن يأتي على معدن العلبة لو غابت تلك البطانة.

لم تكن تركيبات البطانة ملكاً لشركة ”كوكا كولا“، بل لشركات الطلاء والتغليف متعددة الجنسيات التي كانت لها شراكات معها. كانت يو مسؤولة عن تقييم الصيغ، وهي واحد من شخصين فقط في ”كوكا كولا“ تُتاح لهم تفاصيل عديدة عنها.

“هيلتوب سيكيوريتيز” الأمريكية تتهم موظفاً سابقاً بسرقة بيانات العملاء

جاء في مطلع تقرير داخلي للشركة عن نشاط المختصة بالكيماويات في ذلك المساء من أغسطس أنها وصّلت عند الساعة 6:02 قرص تخزين خارجي من إنتاج ”ويسترن ديجيتال“ عبر قابس ”يو إس بي“ (USB) بحاسوب، ثم حاولت أن تنقل إليه ملفات من مجلد يحمل اسم “BPANI”، وهو اختصار لاسم فئة بطانات عبوات.

لكن لأنها سُرحت، كانت أُشيرَ إليها في الشبكة الداخلية فمنعتها من نقل الملفات. ذكّرها إشعار ظهر على الشاشة بأن أي ملف يُنقل من حاسوب تابع للشركة يجب أن يمر عبر حساب التخزين السحابي الذي أنشأته مع شركة البرمجيات ”بوكس“ (Box).

تجاهلت الرسالة، ووصَّلَت في الساعة 6:08 قرص تخزين آخر بحاسوبها وحاولت نقل الملفات إليه دون جدوى مجدداً. في الساعة 7:00 وصّلَت محرك أقراص ”ويسترن ديجيتال“ الأصلي بحاسوبها، لكن بدل أن تجر الملفات لتنقلها إليه، فتحت تطبيق ”مايكروسوفت إكسل“ (Microsoft Excel) وحاولت أن تحفظ الملفات على القرص الخارجي عبره. لم ينجح ذلك أيضاً.

كما لم تنجح في الساعة 8:41 عندما حاولت نفس الشيء باستخدام تطبيق ”مايكروسوفت ورد“ (Microsoft Word).

عدسة الهاتف
لم تجد حلّاً حتى نهاية الشهر. استخدمت هاتفها في 25 أغسطس لتلتقط سلسلة صور لشاشة الحاسوب في مكتبها بحيث تفتح ملفاً تلو آخَر. في ذلك الحين كانت تعلمت، على الأرجح من زملائها حلّاً بسيطاً آخر. في وقت متأخر من مساء 29 أغسطس حمّلَت عديداً من الملفات المشفرة من حاسوبها إلى حسابها على ”غوغل درايف“ (Google Drive). لم يمنعها نظام أمان معلومات ”كوكا كولا“ المُعَدّ لمنع النقل إلى أجهزة ”يو إس بي“ من ذلك. في الليلة التالية حمّلَت مزيداً.

لم تترك يو لنفسها كثيراً من الوقت، فقد كان اليوم التالي آخر أيامها لدى ”كوكا كولا“. لكن ذاك الشهر كان حافلاً. سافرت إلى مدينة ويهاي الصينية في 17 أغسطس دون علم المشرفين عليها، إذ التقت رجال أعمال كانوا يساعدونها على تأسيس شركة طلاء. كانت يو تتقدم بطلب للحصول على ملايين الدولارات من أموال الحكومة لتمويل المشروع، وفي أثناء وجودها في المدينة أجرت مقابلة لبرنامج منح إقليمي يسمى ”يشي-يي يي“ (Yishi-Yiyi).

“FBI” يحذّر الشركات الغربية من “نهب” الصين لاختراعاتها

سافرت إلى بكين بعد شهر لتقديم طلب آخر، وهذه المرة لبرنامج منح وطني يسمى “ألف موهبة”، وقد كتبت في طلبها أن الأموال ستساعد الشركة التي شاركت في تأسيسها “على بناء أول خط لإنتاج بطانات “BPANI” في الصين”، ما سيكسر “الاحتكار الدولي” في صناعة بطانات حاويات الطعام العالمية.

كانت الملفات الموجودة على كمبيوترها لدى ”كوكا كولا“ محورية لتنفيذ هذه الخطة، ويبدو أنها كانت على دراية بالخطر القانوني الذي تواجهه في ذلك. اشتكت إلى أحد شركائها الطامحين إلى تأسيس الشركة في رسالة صوتية بلغة ماندرين عبر تطبيق “وي تشات” قائلة: “أنا من يتحمل جميع المخاطر في النهاية… إن حدث أي شيء لي فلن تكون الأموال التي جنيتها كافية حتى لأتعاب المحامي”.

اتهامات فردية ودولية
خضعت يو بعد ثلاث سنوات لمحاكمة بتهمة الاحتيال والتآمر لسرقة وحيازة أسرار تجارية والتجسس الاقتصادي. حاجَّ المدّعون الاتحاديون بأن ضحايا جرائمها هي الشركات السبع التي طورت البطانات بتكلفة تقارب 120 مليون دولار، وهي الشركات التي كان مشروعها يعتزم منافستها. لكن مؤامرة يو لإنتاج بطانات العبوات ربما كان لها ضحية أخرى.

لطالما حذّر مسؤولو مكافحة التجسس الغربيون من برامج المنح الصينية مثل “ألف موهبة”. هدفها المعلن هو الاستفادة من العلماء والمهندسين الصينيين الذين اغتربوا سعياً لفرص تعليمية ومهنية، وإغرائهم بالعودة لإنشاء أعمال تجارية في الصين، مع وعد بدعم ماليّ سخيّ دون عقبات بيروقراطية.

هذا جزء مما يفعله، لكن المنح قد تلعب دور المكافآت، فهي تحفز رواد الأعمال على سرقة أسرار تجارية من شركات غير صينية لاستخدامها بغرض إنشاء شركات منافسة.

كيف تَمكّن مهندس شابّ من سرقة 10 ملايين دولار من “مايكروسوفت”؟

قال جاي تاب، مساعد المدير التنفيذي السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي الذي كان يرأس فرع الأمن القومي حين اتهام يو: “الحقيقة أنها واجهة كاملة لعمليات مخابرات… نحن نعلم الآن من حالات كثيرة جداً أن هذه البرامج هي وسيلة للحكومة الصينية والحزب الشيوعي الصيني لتجنيد الناس لجمع بيانات بشكل غير قانوني”.

حالة يو تبرهن هذه الفكرة إلى حدّ ما، لكنها تؤشّر كذلك إلى أنه إذا كانت الحكومة الصينية أنشأت نظاماً لتحفيز سرقة الملكية الفكرية، فهو نظام مترنح ولا يمكن توقُّع نتائجه.

لقد سرقت يو من شركات متعددة الجنسيات كانت عملت معها أو لديها، لكن يبدو أيضاً أن حلفاءها استغفلوا حكومة الصين. إن حاولت أن تدفع للناس ليأخذوا أشياء نيابة عنك، فإنهم احياناً يأخذون مالك بلا مقابل.

حولنا في كل مكان
معظم الأشياء التي نلمسها وكثير من تلك التي لا نلمسها مطلية أو مبطنة. لوحة مفاتيح الحاسوب مغلفة بطبقة خاصة كي لا تلطّخها زيوت البشرة، وكذلك الشاشات التي تعمل باللمس.

تعمل دهانات مطورة خصوصاً على حماية الجسور المعلقة من الهواء المالح، كما تساعد طائرات الشبح المقاتلة على التملص من الرادار، وبعضها يقتل البرنقيل الذي يلتصق ببدن السفن.

طورت هذه كل شركات الطلاء والتغليف، مثل ”أكزو نوبل“ (Akzo Nobel) و”داو كيميكال“ (Dow Chemical) و“بي بي جي إندستريز“ (PPG Industries) و“شيروين-ويليامز“ (Sherwin-Williams).

تغليف علب المشروبات المصنوعة من الألمنيوم صعب بشكل خاص. تنتج أكبر المصانع 16 مليون علبة في اليوم، ويتطلب كل منها غلافاً داخلياً موحداً تماماً يُرش خلال ثوانٍ.

وصفات البطانة معيَّرة وفقاً لوصفات المشروبات التي تتباين فيها مستويات الأحماض والسكر والكافيين والزيوت، وفي بعض الحالات الكحول. لا يمكن السماح للبوليمرات بعد جفافها أن تتفاعل بأي شكل مع المشروبات، حتى إن بقيت لأشهر على رفوف المتاجر، وإلا فسيتلف ذلك النكهة المعايرة بدقة لشراب شركة ”توبو تشيكو“ (Topo Chico) الغازي الكحولي بنكهة الكركديه والفراولة أو مشروب الطاقة ”مونستر أسولت“ (Monster Assault).

استبدال المكونات
كل هذا التعقيد يجعل الصناعة تقاوم التغيير بشدة، لكن يو أتت إلى ”كوكا كولا“ في لحظة نادرة من الاضطراب، بسبب مخاوف بشأن مكوّن بطانة واسع الانتشار يسمى ”بيسفينول إيه“ “bisphenol A” أو “BPA” اختصاراً. اقترحت مجموعة متزايدة من الأبحاث، إن لم يكن جميعها، أن مادة ”بيسفينول إيه“ قد تتداخل مع نظام الغدد الصماء في الجسم فتزيد مخاطر مشكلاته الصحية، منها السكري من النوع 2 والبلوغ المبكر.

حظرت فرنسا “BPA” في قناني الأطفال في 2010، ثم وسعت الحظر ليشمل أي عبوات أغذية تُباع في البلاد. تبعتها كاليفورنيا والاتحاد الأوروبي والصين بحظر رضاعات الأطفال المصنوعة منه في العام التالي، ثم أضافت كاليفورنيا فيما بعد”(BPA” إلى قائمة المواد الكيميائية التي يجب التحذير من وجودها في المنتجات الاستهلاكية.

أطلق توقع فرض حظر أوسع نطاقاً موجة من التخبط بحثاً عن كيماويات تبطين جديدة، لكن استبدال “BPA” كان تحدياً، فذلك المركب الكيميائي جيد بشكل استثنائي في ربطه بين جزيئات المونومر الأخرى في راتنجات إيبوكسي قوية وخفيفة.

قادة جنوب شرق آسيا يحذرون من خطورة الصراع الأميركي الصيني

استغرق انشاء تركيبات لا تؤثر في المتانة شركات الطلاء عدة سنوات وأجيال متعددة من البطانات. المصطلح التقني لهذ الفئة هو “BPANI”، وهو اختصار لعبارة ”دون بيسفينول إيه متعمد“، أي إنه حتى المنتجات الخالية اسمياً من مادة “BPA” قد تكون امتصت كميات ضئيلة منها من محيطها.

بلغة سلسلة الأغذية المعبأة، ”كوكا كولا“ هي شركة ”تعبئة“ تشتري عبواتها من صانعي المستوعبات العالميين مثل ”بول“ (Ball)، وهي لا تصنع البطانات أو تضعها داخل العبوات، لكنها أكبر صانع مشروبات غازية في العالم، لذا تحدّد قراراتها بشكل أساسي أيّ البطانات ستجد سوقاً.

وجدت يو نفسها في موقع قوة كبيرة في تلك العملية، فقد واصلت ”كوكا كولا“ السعي للحصول على تركيبات أفضل من “BPANI”. جاءت يو إلى الولايات المتحدة من الصين عبر منحة أكاديمية في 1990، وحصلت على درجة ماجستير من جامعة كنت في أوهايو، ثم دكتوراه في علوم البوليمرات والهندسة من جامعة ليهاي في بنسلفانيا.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى