إلى متى يمكن أن تستمر طفرة الذهب الجديدة؟

اقتصادنا – وكالات

تعكس البنوك المركزية فى الأسواق الناشئة اندفاع النخبة العالمية إلى الذهب، فقد اشترت تلك البنوك 1079 طناً من السبائك خلال العام الماضى، وهو رقم قياسى سُجل لأول مرة منذ بدء السجلات فى عام 1950.

ونتيجة ذلك، ظل الذهب يحوم بالقرب من أعلى مستوياته على الإطلاق عند 2072 دولاراً للأوقية ـ وهى الوحدة التقليدية للمعادن الثمينة ـ منذ أواخر مارس الماضى.

ومن هنا، يحبس العديد من المضاربين، أو الباحثين عن الذهب، أنفاسهم وهم ينتظرون تسجيل رقم قياسى جديد.

لطالما كان الذهب ملاذاً آمناً فى أوقات الاضطراب، وهذا ما يشهده العالم اليوم، فقد توجه المستثمرون نحو إعادة تقييم أصول الملاذ الآمن؛ نتيجة عدة عوامل مثل فيروس كورونا، وحرب أوكرانيا، والتوترات الجيوسياسية، ومخاوف التضخم، وتصاعد الديون العالمية، وارتفاع أسعار الفائدة، والأزمة المصرفية، وكان الذهب هو المستفيد.

وقال نيكى شيلز، رئيس استراتيجية المعادن فى الشركة السويسرية لتجارة المعادن الثمينة «إم كيه إس بامب»، إنه «فى العقد الماضى، كان هناك تضخم منخفض ونمو مرتفع وعولمة وسلام، واقتصاديات عدم التدخل وأيدٍ خفية وأداء تكنولوجى متفوق، لكن الآن يتم فصل كل من هذه الموضوعات الهيكلية بشكل متزامن، ما يخلق بيئة إيجابية للذهب والسلع الأخرى».

هناك أيضاً عامل جيوسياسى؛ حيث تتخوف الدول النامية من قوة الدولار الأمريكى، ففى ظل فرض الغرب عقوبات على روسيا فى أعقاب غزوها لأوكرانيا، جمدت الولايات المتحدة وحلفاؤها ما يصل إلى 300 مليار دولار من حيازات النقد الأجنبى المقومة بالدولار واليورو والجنيه الإسترلينى.

هذا الأمر أثار قلق العديد من البلدان التى تمتلك حيازات دولارية، والتى تتسابق بنوكها المركزية لتنويع حيازاتها وشراء المزيد من الذهب.

انتعاش ثروات الذهب جعل مسئولى البنك المركزى ومديرى الصناديق والمستثمرين الأفراد يتساءلون عما إذا كان العالم على شفا حقبة ذهبية جديدة، حسبما ذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية.

ويعتقد بعض المتنبئين إمكانية صعود الذهب نحو أعلى مستوياته القياسية، والتى تقترب من 3300 دولار للأوقية، والذى سجل فى عام 1980 عندما أدى التضخم والاضطراب الناتج عن البترول فى الشرق الأوسط إلى تتويج موجة صعودية استمرت تسعة أعوام.

وإذا استمرت حالة التضخم المصحوب بالركود والتوترات الجيوسياسية وإزالة الدولار، فإنَّ البعض يقول إن السبائك ستستمر فى التألق.

وقالت روث كروويل، المديرة التنفيذية لجمعية سوق سبائك لندن، التى تضع المعايير العالمية ومعايير الأسعار لتداول الذهب: «هل هذه حقبة جديدة؟ ببساطة نعم.. فالتحول نحو الذهب يتعلق بإنشاء محفظة أكثر حيادية استجابةً للجغرافيا السياسية».

من ناحية أخرى، تشتهر أسعار الذهب بالتقلب، ففى ظل انحسار الخوف والذعر وتدفقهما، يمكن أن يكون ارتفاع الأسعار مؤقتاً.

كما أن المخاوف بشأن التأثير البيئى للذهب ـ وحقيقة أنه ليس له دور فى تحول الطاقة على عكس المعادن الأخرى ـ قد تثبط آفاقه على المدى الطويل.. الذهب يمر بطفرته، لكن إلى متى سيستمر؟

مؤشر الخوف

الدافع الأساسى لعودة الذهب إلى الظهور هو القلق بشأن موثوقية الأصول السائلة الأخرى، فقد تحول المستثمرون إلى الذهب من جديد؛ نظراً إلى أن الأسواق أصبحت أكثر تقلباً فى الأشهر الأخيرة.

ومنذ نوفمبر، ارتفع الذهب بمقدار الخُمس ليتداول بما يقل قليلاً عن 2000 دولار للأوقية بعد انهيار ثلاثة بنوك أمريكية إقليمية واستحواذ بنك «يو بى إس» على «كريدى سويس».

وقال روس نورمان، الرئيس التنفيذى لمزود بيانات المعادن الثمينة «ميتلز ديلى»، إنَّ «الذهب يشير إلى أن هناك درجة عالية من الخوف فى الأسواق المالية».

وبالنسبة للبعض، يعد هذا إثباتاً للمعتقدات الراسخة بشأن أمن الاقتصاد العالمى.

وأشار مسئولو بنك الاحتياطى الفيدرالى مؤخراً إلى أنهم لن يتم ردعهم عن رفع أسعار الفائدة بشكل أكثر لمعالجة التضخم بعد أن كانت توقعات السوق بالتوقف المؤقت قد ارتفعت، ما تسبب فى تراجع الذهب إلى حوالى 1970 دولاراً للأوقية؛ حيث تزيد أسعار الفائدة المرتفعة جاذبية السندات بالنسبة للسبائك التى تفتقر للعوائد.

النجاح فى خفض الأسعار المرتفعة من مستويات أبريل البالغة 4.9% إلى هدف الاحتياطى الفيدرالى البالغ 2% من شأنه أن يضعف الحماس للتوجه نحو الذهب، وهو تحوط ضد التضخم، وقد يؤدى الاتفاق على سقف الديون الأمريكية أيضاً إلى الضغط الهبوطى على أسعار السبائك.

وعلى المدى الطويل، ربما تنخفض شهية المستهلك للمعادن الثمينة بسبب حالة صناعة تعدين الذهب نفسها، خاصة أنها تتعرض لضغط أكبر لخفض الانبعاثات وتقليل التأثير البيئى وتصبح أكثر شفافية.

الذهب، أحد العناصر الأقل تفاعلاً، فهو له دور مباشر ضئيل فى انتقال الطاقة، على عكس العديد من المعادن الأخرى الأكثر وظيفية، لكن غالباً ما توجد رواسبه بجانب النحاس، وهو أمر مهم للتقنيات منخفضة الكربون مثل توربينات الرياح والسيارات الكهربائية وخطوط نقل الطاقة.

كما يستخدم 8% فقط من الذهب فى تطبيقات مثل التكنولوجيا والطب والصناعة، والباقى يستخدم بشكل أساسى للمجوهرات والاستثمار.

Exit mobile version