أخر الأخباراتصالات و تكنولوجيا

التزييف العميق.. ضريبة مخيفة للعالم الرقمي

اقتصادنا – وكالات

ربما لا يسمع الكثير منا – باستثناء السلطات المختصة – عن مصطلح «الوسائط الاصطناعية» المعروف أكثر باسم «التزييف العميق»، التي بدأت منذ نحو 5 سنوات، ومؤخراً بالانتشار بشكل كبير ويتضاعف عددها كل 6 أشهر لتصبح هذه التقنية اليوم قادرة على محاكاة المظهر البشري والتنبؤ بما يمكن لصورة واحدة فقط أن تبدو في مواقف وزوايا مختلفة.

ومؤخراً، غزت مواقع التواصل الاجتماعي مؤخراً مجموعة من مقاطع الفيديو التي تستخدم تقنية التزييف العميق التي يتم خلالها استخدام الذكاء الاصطناعي لإنتاج فيديو يظهر فيه شخص مشهور يقول أشياء أو يقوم بها دون أن يكون قد فعل في الحقيقة أياً من ذلك.

الإضرار بالسمعة

ويحذر خبراء من أن عمليات التزييف العميق قد تتسبب في مشكلات خطيرة، مثل الإضرار بسمعة الأفراد والدول، أو التلاعب بالرأي العام بقصد التأثير على حدث سياسي أو إعاقة عمل الحكومة، أو زعزعة الثقة باستخدام واقع مزيف يمكن حدوثه أو حتى خلق أدلة ملفقة للتأثير على أحكام القضاء، وهو ما دعا عدد من الحكومات ومنها الحكومية البريطانية مؤخراً لطرح مسودة قانون ستضع في حال الموافقة عليها كل من ينشر مقاطع مزيفة عن سيدات أو فتيات، خلف القضبان وإلى جانب نشر الفيديوهات المفبركة والمعلومات الخاطئة، يقول الخبراء بأنه يمكن اليوم استخدام تقنية التزييف العميق لشن هجمات سيبرانية أكثر تعقيداً، على غرار عمليات الاحتيال الصوتي، وهو ما سيتسبب بمشكلات خطيرة قريباً.

واعتبر الخبراء أن التزييف العميق هو أحد أبرز الجوانب السلبية المخيفة للعالم الرقمي، ما يحتم علينا مواجهته والتعامل معه بصورة جماعية لما يترتب عليه من آثار خطيرة حال تم توظيفه في عمليات الاحتيال التي تعدت المستويات الفردية ليصل تأثيرها إلى المستويات العالمية.

ضوابط صارمة

وقال المستشار مجاهد السباعي، الشريك في «كلداري محامون ومستشارون قانونيون»: إن قانون مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية الاتحادي 34 لسنة 2021 في شأن مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية وضع ضوابط صارمة وشاملة لحماية أفراد المجتمع من مخاطر استخدام الشبكة العنكبوتية والحفاظ على الخصوصية.

ولفت إلى أن القانون حرص على تفصيل أكثر أنواع الجرائم الإلكترونية شيوعاً، ومواكبة أحدث التطورات الحاصلة في فضاء التواصل الاجتماعي، لافتاً إلى أن التزييف العميق في حال ثبوته هو جريمة يعاقب عليها القانون بالغرامة أو الحبس.

وأضاف المستشار السباعي، أنه وفي ظل نهج دولة الإمارات القويم في مجال الأمن السيبراني، فقد أراد المشرع في هذا القانون أن يعالج العديد من الثغرات الإلكترونية وأن يصبغ عليها الحماية اللازمة، موضحاً أن التزييف العميق يدخل ضمن إطار استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم العميق بهدف إنتاج مقاطع مزيفة ونشر الشائعات الكاذبة أو المغرضة التي من شأنها إلحاق ضرر بأفراد معينين أو بالمصلحة العامة أو بالاقتصاد الوطني، وغيرها.

سيناريوهات

وقال نيكولاي سولينغ، رئيس قسم التكنولوجيا في «هلب أي جي»: لعل ما شهده العالم خلال الأسابيع القليلة الماضية من انتشار مقطع فيديو مفبرك بتقنية التزييف العميق أو ما يطلق عليه بالـ (Deepfake) لرئيس الولايات المتحدة – يعبر عن إمكانيات هذه التقنية الهائلة في تزييف المحتوى الرقمي، علماً بأن محتويات الفيديو لم تكن مؤذية، إلا أنه يضع مخيلتنا أمام السيناريوهات الشائنة التي قد تنجم عن تسخير هذه التقنيات في تزييف مقاطع خاصة بقادة العالم.

وأضاف أنه ولتوضيح مفهوم التزييف العميق على المستوى الفردي لك أن تتخيل ما يحصل حالياً! بات بإمكان الكثير من المحتالين انتحال شخصية أي فرد والتواصل مع الضحية على أنه صديقه الحقيقي، خصوصاً وأن التكنولوجيا الحديثة تمتلك القدرة على تغيير الأصوات واللهجات وحتى اختيار الكلمات، مما يجعلك تعتقد بسهولة أنه صديقك بالفعل، في حين أنه فعلياً مجرد محتال. علاوة على ذلك، قد يشكل التزييف العميق مشكلة كبيرة لأسواق الأسهم، حيث يمكن للرسالة الخاطئة أن تغير أسعار الأسهم بشكل جذري».

هندسة اجتماعية

وقال سولينغ: «هناك العديد من الجوانب والطرق التي يمكن أن تؤثر بها تقنية التزييف العميق سلبياً على قطاع الأمن السيبراني. حيث تمثل الهندسة الاجتماعية أحد أبرز التحديات التي تشكل خطراً كبيراً على المستخدمين، لاسيما وأنها تسهل عملية خداع الفرد للحصول على معلومات معينة، مثل المعلومات السرية أو حتى تثبيت تطبيقات ضارة وغير آمنة. وتقوم فكرة الهندسة الاجتماعية على كسب ثقة الضحية باستخدام المعلومات المتوافرة ومن خلال هذه الثقة ينتهي الأمر بالضحية أن يقدم للمهاجم معلومات حساسة يستطيع من خلالها تحقيق غايات معينة.

وحول إمكانية إيجاد حلول لاكتشاف ومواجهة عمليات التزييف العميق والحد من مخاطرها في المجتمعات، قال سولينغ: «لقد بدأنا حديثاً في التعامل مع مشكلة التزييف العميق، حيث رأينا أول مثال واقعي في 2017، ولكن في الآونة الأخيرة تداولت وسائل الإعلام الكثير من القصص الحقيقية حول التزييف العميق. ومع تطور التكنولوجيا بصورة متسارعة، وسهولة الوصول إليها واستخدامها من قبل الكثير، ظهرت هناك العديد من تطبيقات التزييف العميق المجانية أو قليلة التكلفة التي تتيح للمستخدمين إمكانية إنشاء وتزييف مقاطع فيديو باستخدام الهاتف الذكي. وبالرغم من أن هذه التطبيقات تضع علامة خاصة على الفيديو للإشارة إلى أنه مزيف، إلا أنه يمكن التحايل عليه وإخفاء هذه العلامة من قبل المحتالين.

وتماماً مثلما يتم تزييف فيديو أو التلاعب بالأصوات باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، يمكن أيضاً اكتشاف التزييف العميق باستخدام تقنيات مماثلة. فقد تم تطوير خدمات وتقنيات تسمح للمستخدم التحقق من المحتوى في حالة وجود أدنى شك. وأنا على يقين بأننا سنرى في المستقبل القريب «علامة أو ختم» على محتوى التلفاز أو أي محتوى فيديو عبر الإنترنت للـتأكيد على صحة وحقيقة محتواه».

توليد الأرباح

ويتم حالياً جني الأرباح من تكنولوجيا التزييف العميق من خلال 3 قنوات رئيسية، هي، أولاً: إنشاء مقاطع فيديو مزيفة مقابل رسوم (ويتم ذلك عبر مواقع الخدمات مثل Fiverr)، وثانياً: من عائدات الإعلانات أو رسوم الاشتراك على مواقع معينة، وثالثاً: من خلال مواقع ــ معظمها على شبكة الإنترنت المظلمة ــ تجني رسوماً مقابل توليد مقاطع مزيفة بالاعتماد على تقنية الذكاء الاصطناعي.

وقال جميل أبو عقل، مدير الأنظمة الناشئة في شركة «مانديانت»: إن شركات الأمن السيبراني تدرس في هذه الآونة تأثير عمليات «التزييف العميق» على تدفّق ودقة المعلومات والأخبار المتناقلة، بالتزامن مع تزايد اهتمام العناصر الناشطة في «التزييف العميق» وبعض الحكومات التي ترعى هذه الظاهرة وتستثمر بها، سواء بدافع التهديد المالي أو غيره.

وأوضح أن شركة «مانديانت» للأمن السييراني رصدت عدداً من المنشورات والإعلانات حول تقنية التزييف العميق في المنتديات السرية الإجرامية على مدار العامين الماضيين، حيث نشر مستخدمو هذه المنتديات مقاطع فيديو وصوراً حقيقية تم التحكم بها وتحويلها إلى صور ومقاطع مزيّفة، بالإضافة إلى إتاحة فرص لتدريب المستخدمين على خلق وسائطهم الإعلامية الخاصة والتلاعب بها.

انتشار

وقال جميل أبو عقل: مع احتمال انتشار تقنية «التزييف العميق» بصورة متزايدة وعلى نطاق واسع خلال 2023، نتوقع أن تتغلغل الجهات التخريبية والتجسسية في الوسائط الإعلامية التي تم التلاعب بها بشكل متزايد ودمجها في عملياتها التخريبية بطريقة تجعل سيطرتها على الهندسة الاجتماعية مقنعة أكثر، مما سيمكن تلك الجهات من تخصيص المحتوى بسهولة لتحقيق أهداف محددة وتجاوز بعض الأنظمة والاحتياطات الآلية المصممة للتحقق من الهوية.

3 نصائح

من جانبه قال خبير التصوير حسام عبدالنور إنه لا توجد العديد من الاستراتيجيات المضمونة لمنع هجمات التزييف العميق لسوء الحظ.

وأضاف أن برمجيات التزييف العميق أصبحت في المتناول وما يزيد الأمر خطورة هو نشر الكثيرين للصور ومقاطع الفيديو الخاصة لهم على مواقع التواصل المختلفة، والتي يمكن تنزليها وإساءة استخدامها بسهولة. وفي هذا المجال يمكن أن ننصح المستخدمين أولاً، بالحذر وتقليل مشاركة المحتويات على وسائل التواصل الاجتماعي ففي كل مرة تشارك بياناتك أو خصوصياتك وصورك وسفرياتك وأماكن إقامتك فأنت معرض بشدة لمثل هذا الاختراق وثانياً، يمكن جعل صفحاتك الشخصية خاصة ولا تسمح لأي شخص غريب بالاطلاع على تفاصيل بياناتك والامتناع عن التواصل مع غرباء ومجهولين يحملون أسماء مستعارة ولا تضيفهم كأصدقاء ما لم تتأكد من شخصيتهم الحقيقية، وثالثاً، لا تثق بكل ما ينشر في مواقع التواصل والمجموعات المشتركة حتى لو كانت مرسلة من أشخاص تعرفهم، فمن الممكن أن يكون ما تراه يكون أيضاً مزوراً فمن الأفضل عدم نشر أي فيديوهات مشبوهة تخص شخصيات عامة ذات مكانة في المجتمع.

ولفت حسام عبد النور، إلى إمكانية التحقق من أصالة الصور واكتشاف التزييف العميق من خلال التدقيق في الصورة وملاحظة ما إذا كان الوجه أملساً بشكل غير طبيعي أو وجود ظلال غير عادية حول عظام الخد، ومراقبة حركة جفون الشخص في مقاطع الفيديو وحركة الفم بالإضافة إلى مظهر الشعر الذي يعتبر تزييفه من الأصعب حالياً، خاصة شعر الوجه.

معالجة الصور

وقال طلال شيخ، أستاذ مشارك ومدير الدراسات الجامعية لكلية الرياضيات وعلوم الكمبيوتر في جامعة هيريوت وات دبي إنه عندما بدأت في الظهور لأول مرة كان من الصعب تنفيذ تقنية التزييف العميق وكان يتطلب إجراؤها وقتاً طويلاً. ومع ذلك، مع تقدم تقنيات معالجة الصور أصبح من السهل على غير المحترفين إنشاء ملفات صوت وفيديوهات معدلة ومزيفة.

وأضاف: «أصبح الحصول على الأدوات والتقنيات أكثر سهولة وأرخص تكلفة، ما يتطلب بيانات وقوة حسابية أقل. ويعتقد الناس أن بإمكانهم اكتشاف التزييف العميق، لكن في الواقع لا يمكنهم ذلك، فقد يستهلكون محتوى تم التلاعب به دون أن يكونوا على علم به. أحد أهم المخاطر في ظهور تقنية التزييف العميق – تلفيقات عالية الجودة يتم وضعها في مجموعة متنوعة من الاستخدامات الخبيثة مع إمكانية تهديد أمننا أو حتى التلاعب وإلحاق الأضرار بنزاهة العديد من القرارات الاستراتيجية عبر الدول. تستخدم في الغالب لتلفيق الادعاءات ونشر الدعاية، وعندما تصبح مقاطع الفيديو المزيفة شائعة، يميل الناس إلى تداولها ونشرها بدون النظر إلى العواقب الوخيمة».

تشفير

وحول ما يمكن أن يفعله المستخدم لتجنب مخاطر التزييف العميق، أفاد طلال شيخ: بأن«هناك عدد من الأساليب الجديدة التي تسهل الآن على منشئي الفيديو مصادقة واعتماد محتواهم وعملهم. يمكن استخدام تقنية تشفير لإضافة hashes على فترات زمنية محددة مسبقاً عبر الفيديو؛ إذا تم تغيير الفيديو، ستتغير التجزئة. كما أصبح من الممكن إنشاء بصمة رقمية غير قابلة للتغيير لمقاطع الفيديو باستخدام الذكاء الاصطناعي وتقنية بلوك تشين، على غرار العلامة المائية التي يتم وضعها على المستندات. ومع ذلك، فإن التكنولوجيا ليست هي الطريقة الوحيدة للحماية من «التزييف العميق». ويجب علينا تثقيف كلٍ من الموظفين وعائلاتهم حول كيفية تنفيذ التزييف العميق والمخاطر التي قد تسببها. في الوقت الحالي، يمكن اكتشاف التزييف العميق المنفذ بشكل سيئ بالعين غير المدربة».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى