الشرق الأوسط

تصاعد تكلفة مكافحة الفقر في إسطنبول مع توحش التضخم

اقتصادنا – تركيا
لم تسر الأمور بشكل جيد مع الطبقة العاملة في تركيا خلال العامين الماضيين. ففي ظل العمل بشكل متقطع في مصنع للملابس في إسطنبول؛ يقول أب لأربعة أطفال، إنَّه تأخر في دفع الإيجار والفواتير التي تعادل قيمتها الإجمالية بالفعل نحو متوسط دخله الشهري البالغ 3500 ليرة تركية (237 دولاراً أمريكياً).

يقول الشخص ذو الـ38 عاماً، الذي يفضل عدم الكشف عن هويته أثناء مناقشته المصاعب التي يواجهها، إنَّ “الوباء قسم ظهورنا، والآن أصبح كل شيء باهظ الثمن”. مع ارتفاع معدل التضخم إلى مستويات أعلى من 60%؛ وقد تذكّر أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل الطماطم والزيتون والحليب، موضّحاً ذلك بقوله: “كيف لا نواجه الصعوبات؟”.

مع ذلك، هناك منصة للتبرع الإلكتروني أنشأتها البلدية خلال موجة الإغلاق الأولى التي فُرضت للسيطرة على وباء كوفيد-19، ويمكن لهذه المنصة توفير بعض الإغاثة لسكان إسطنبول من ذوي الدخل المنخفض. حظت المنصة بشعبية بعد تفشي أزمة تضخم التي وجهت بدورها ضربة مزدوجة للأسر التي تعاني بالفعل من التداعيات الاقتصادية للوباء.

فواتير مُعلقة قياسية
تُعرف هذه المنصة (Askida Fatura)، أو “فاتورة مُعلقة”، وهي تسمح للأشخاص بإدخال الفواتير غير المدفوعة وانتظار فاعلي الخير الراغبين في تقديم تبرعاتهم الخيرية بأنفسهم بدلاً من اللجوء إلى منظمة ما. وفي إشارة إلى خطورة الأزمة الحالية، شهد شهر مارس أعلى كمية من الفواتير التي تم إدخالها منذ إطلاق المنصة في مايو 2020، كما زاد متوسط قيمة الفواتير غير المدفوعة بأكثر من الضعف

حتى الآن، تم تسديد أكثر من 330 ألف فاتورة مرافق- بقيمة إجمالية تبلغ 52 مليون ليرة (3.5 مليون دولار)- مباشرة من خلال الموقع. أدخلت أسرة العامل في مصنع الملابس سبعة من هذه الفواتير غير المدفوعة، لكن ما زال هناك فاتورتان آخرتان ينتظران متبرع.

وعلى غرار إسطنبول، دشنت أكثر من 35 بلدية أخرى في تركيا منصات مماثلة.

يقول مراد أونغون، المتحدث باسم بلدية إسطنبول الحضرية: “يريد الناس التأكد من وصول المال الذي يتبرعون به إلى المكان الصحيح، لذلك أنشأنا نظاماً يعمل كحلقة وصل بين الأشخاص ذوي الاحتياجات التي تم التحقق منها، الذين يمكنهم تحميل فواتير الغاز أو المياه على الموقع، وفاعلي الخير القادرين على الدفع بنقرة واحدة على الشاشة”.

جدير بالذكر أيضاً أن المنصة لا تكشف هويات الأشخاص المحتاجين للمساعدة ولا الأشخاص الذين يقدمون المساعدات، إذ يعد إخفاء الهوية سمة أساسية للمنصة للحفاظ على كرامة متلقي المساعدات دون جعلهم مدينين بالفضل لمنظمة أو حزب سياسي.

شعرت إحدى المتبرعات بصدمة تجاه ما يواجهه الناس من قدر كبير من الديون وقررت زيادة ما تقدمه من خير للوصول إلى مزيد من الأسر، فهي تعمل لدى شركة علاقات عامة في إسطنبول، وقررت دفع الفواتير التي تقل عن 100 ليرة لمساعدة عدد أكبر من الناس

يقول مقيم آخر في إسطنبول، الذي تبرع عبر الموقع الإلكتروني وتم التواصل معه عبر “تويتر”، إن منصة “أسكيدا فاتورا” تسلط الضوء على محنة الآخرين. ويقول هذا الشخص الذي رفض تماماً الكشف عن هويته: “هذه المنصة تجعلني أكثر تعاطفاً مع حقيقة أن الأشخاص الذين نقابلهم في الشارع والذين نشاركهم نفس وسائل النقل العامة، يمكن أن يعانوا من صعوبات مماثلة أو أعمق بكثير مما نواجه”.

تعود فكرة المنصة الرقمية إلى تقليد طويل من العطاء مجهول المصدر في تركيا وفي الإمبراطورية العثمانية السابقة لها. تتراوح هذه الممارسات من “حجر الصدقة”، حيث يترك المارة الصدقات، إلى ممارسة تحمل نفس اسم الموقع “اسكييدا اكميك” (Askida Ekmek)، أو “الخبز المدفوع ثمنه مسبقاً”، وتشير إلى الدفع مقابل رغيف خبز إضافي بحيث يمكن لعميل لاحق الحصول على واحداً مجاناً، ويكون ذلك في بعض الأحيان، فعلياً، معلقاً على خطاف خارج المخبز

مما لا شك فيه أن هذه التبرعات لن تقضي على الفقر، لكن يقول مؤسسو المنصة إنها تزيل على الأقل بعض الحواجز الاجتماعية.

في يناير، تم اختيار المنصة كواحدة من 15 مشروعاً فائزاً في أحدث فعاليات لمسابقة “تحدي رؤساء البلديات العالمي” التي تديرها المؤسسة الخيرية “بلومبرغ فيلانثروبيس” (Bloomberg Philanthropies)، التابعة لمايكل بلومبرغ، مالك الشركة الأم لـ “بلومبرغ سيتي لاب”. وركزت الجائزة السنوية لهذا العام بشكل خاص على الحلول التي تم تطويرها في أعقاب وباء كوفيد-19.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى