منوعات

من الإفلاس إلى القمة .. كيف ربحت “مارفل” رهان المخاطرة بكل شيء؟

اقتصادنا

“أفنجرز”، “سبايدرمان”، “إيرون مان”، “هالك”، ونحو 5 آلاف شخصية أخرى شكّلت عالمًا كاملاً من الأبطال الخارقين يخوضون معارك مثيرة تحت مظلة “مارفل”.

لكن هذا الجمع من الأبطال الخارقين والذين نستمتع بقراءة قصصهم أو مشاهدتها عبر الأفلام السينمائية كاد قبل سنوات أن يختفي تمامًا بسبب الإفلاس.

عالم جديد مثير

في عام 1939 أصدرت “مارفل” أولى قصصها المصورة والتي وعدت قراءها الجدد بمتابعة مغامرات سريعة الإيقاع للعديد من الأبطال الخارقين مقابل 10 سنتات فحسب.

وطوال سنوات، حققت قصص الأبطال الخارقين نجاحًا ملحوظًا بين الشباب بشخصيات شهيرة مثل الغواصة والرجل الشعلة وغيرهما الكثير فيما أطلق عليه آنذاك العصر الذهبي للقصص المصورة.

كما اكتسبت الأعداد التالية شعبية ملحوظة مع اهتمامها بالأحداث الجارية ووضع أبطالها في خضم المعارك، وهو ما ظهر في العدد الشهير لعام 1941 والذي عرض على الغلاف “كابتن أمريكا” وهو يوجه لكمة لأدولف هتلر.

لكن حقبة الستينيات شكلت بداية انطلاقة حقيقية للقصص المصورة عبر استحداث شخصيات جديدة مثل سوبرمان وباتمان والمرأة الخارقة، والتي لا تزال تتمتع بشعبية جارفة بين ملايين الأشخاص حول العالم.

وتفوقت “مارفل” آنذاك باستخدام شخصيات تشبه رجل الشارع العادي والذي يتحول لبطل خارق بسبب مشاعر إنسانية مثل الغضب أو الرغبة في الانتقام، ما جعلها أقرب للعامة وطموحاتهم وأحلامهم.

تراجع الحماس وشبح الإفلاس

وفي تسعينيات القرن الماضي كانت “مارفل” تمتلك الكثير من الشخصيات المحبوبة والشعبية في أوساط المراهقين في الولايات المتحدة الذين يهتمون بقراءة القصص المصورة الخاصة بالأبطال الخارقين ومغامرتهم.

كما ذهب حماس البعض لأبعد من ذلك، حيث اعتاد جامعو القصص المصورة شراء الأعداد الجديدة بكثرة، متوقعين أنها ستكون أعلى قيمة بعد سنوات قليلة، معتبرين أنهم يقومون باستثمار بشكل ما.

ومع مرور الوقت أصبحت القصص المصورة مبالغ في قيمتها وتشهد ما يمكن اعتباره “طلبًا مدفوعًا بالمضاربة”، وسرعان ما تراجعت الصناعة بشكل كبير.

كما أن الشركة لم تنجح فيما يعتبر أهم ما يميز الأعمال الناجحة؛ حيث لم تكن تحقق أي أرباح بل كانت تخسر الملايين بشكل مستمر سواء بسبب انخفاض الطلب والمنافسة أو الدخول في أعمال غير ناجحة، ما دفعها لتسريح ربع موظفيها تقريبًا.

وشهد سعر السهم انهيارًا من مستوى 35 دولارًا في عام 1993 إلى نحو 2.3 دولار في غضون ثلاثة أعوام فحسب.

ومع ارتفاع الديون وفشل مفاوضات إعادة الهيكلة مع الدائنين وتراجع الحماس الخاص بالقصص المصورة اضطرت “مارفل” في عام 1996 للتقدم بطلب للحماية من الدائنين وفقًا للفصل الحادي عشر من قانون الإفلاس الأمريكي.

ويسمح هذا الفصل من القانون للشركة بتقديم خطة لهيكلة وسداد الديون مع الاستمرار في عملها.

وبالفعل، نجحت الشركة في إطار عملية الإفلاس في سداد أموال الدائنين، لكنها عرفت أن استمرارها أصبح مرهونًا بالنجاح في تحقيق أرباح بأي ثمن.

إعادة تنظيم البيت

قررت “مارفل” الخروج بأبطالها الخارقين من الدائرة الضيقة للقصص المصورة إلى عالم السينما الواسع الذي يجذب ملايين المشاهدين، لكن الأمر ليس بهذه البساطة.

فمع المعاناة المالية للشركة والسيولة التي تكفي بالكاد لسداد الالتزامات، فضّلت “مارفل” بيع الحقوق السينمائية لشخصيتها لصالح شركات شهيرة مثل “سوني بيكتشر” و”20 سينشري فوكس” وغيرهما.

ورغم حصول “مارفل” على تدفقات نقدية جيدة نسبيًا من هذه العملية، فإنها كانت تمثل جزءًا بسيطًا من الأرباح التي حققتها أفلام مثل “بليد” و”سبايدر مان” في جزأيه الأول والثاني.

ومن ضمن ثلاثة مليارات دولار حققتها أفلام “سبايدرمان” عبر دور السينما ومبيعات الـ”دي في دي” والبث، حصلت “مارفل” لنفسها على 62 مليون دولار فقط.

لقد كانت “مارفل” تبيع الحقوق السينمائية لأبطالها مقابل الحصول على حصة بسيطة من الإيرادات تكفي للبقاء.

الكل أو لا شيء

وهنا ظهر السؤال لدى “ديفيد مازيل” صانع الأفلام الطموح في هوليود: لماذا تكتفي “مارفل” ببيع أفضل ما لديها للآخرين، بينما يمكنها الحصول على كل الربح لنفسها؟.

وفي نهاية عام 2003، سافر “مازيل” لحضور اجتماع عمل مع مسؤولي “مارفل” في فلوريدا لإطلاعهم على رؤيته التي لن تزيد إيرادات الشركة فحسب، لكن ستحررها أيضاً من سيطرة شركات الإنتاج السينمائي الأخرى.

عينت الشركة “مازيل” مسؤولاً عن العمليات، لكن عددًا من أعضاء مجلس الإدارة كانوا مترددين بشأن ما اعتبروه مقامرة خطرة ولسان حالهم يقول: “لقد تحولنا من الإفلاس إلى تحقيق أرباح بسيطة، وسعر السهم ارتفع من 90 سنتاً إلى 17 دولاراً، فلماذا نخاطر؟”.

لكن المنتج الطموح كان يرى أن سهم الشركة يمكنه الصعود إلى 50 دولاراً في حال تنفيذ خطته وإنشاء شركة إنتاج سينمائي خاصة بـ”مارفل”، وهو ما دفعه للدخول في ماقشات طويلة مع مسؤولي الشركة لإقناعهم بوجهة نظره.

وأخيراً في عام 2005 اقتنع مجلس إدارة “مارفل” ومنحوا “مازيل” إشارة البدء في مشروعه عبر الحصول على قرض بقيمة 525 مليون دولار من بنك “ميريل لنش”.

لكن البنك أخبر الشركة بشروطه: “سنمنحكم الأموال المطلوبة لإنتاج أفلام سينمائية لعشرة أبطال محتملين، لكن إذا فشلت أول 4 أفلام سنقوم بالحصول على الحقوق الخاصة بهذه الشخصيات جميعها”.

لقد كانت “مارفل” تخاطر بفقدان كل شيء تقريبًا بقبول هذا العرض، لكنها قررت الموافقة في النهاية.

جني ثمار الرهان

اختارت “مارفل” شخصية “إيرون مان” لتكون أولى خطواتها الخاصة في عالم الإنتاج السينمائي في عام 2008، بميزانية إنتاج قُدرت بنحو 140 مليون دولار.

وجاءت المفاجأة السعيدة لـ”مارفل” بتحقيق الفيلم في أول أسبوع عرض نحو 100 مليون دولار، وليبلغ إجمالي إيراداته حول العالم نحو 585 مليون دولار.

لقد نجحت المخاطرة سريعاً.

وأثار انتشار صيت “إيرون مان” حول العالم اهتمام شركة “ديزني” التي تقدمت في عام 2009 بعرض لشراء “مارفل” مقابل 4 مليارات دولار.

وحصل مساهمو الشركة على 30 دولارًا و0.74 سهم من ديزني مقابل كل سهم من “مارفل”، ما جعل التقييم الإجمالي للسهم يعادل آنذاك 50 دولارًا بالفعل.

وسمحت صفقة الاستحواذ لـ”مارفل” بالحصول على الدعم التقني والمالي اللازم لتوسع مشروع تحويل أبطالها الخارقين من الورق إلى الشاشة الكبيرة في أفلام مثل “أفنجزر” و”جرادنز أوف ذا جلاكسي” وغيرهما.

وخلال 10 سنوات منذ ظهور أول أفلامها في عام 2008 حصدت “مارفل” نحو 6 مليارات دولار من إيرادات شباك التذاكر في الولايات المتحدة ونحو 15 مليار دولار حول العالم.

الآن “مارفل” تمتلك الكثير من المنتجات بداية من الأفلام والمسلسلات مرورًا بالألعاب وانتهاءً بما بدأ كل هذا العالم الخيالي الرائع “القصص المصورة”.

لكن الأهم أن تجربة “مارفل” أثبتت أن النهوض سريعًا من الفشل أمر ممكن، وأن حتى الإفلاس قد لا يعني النهاية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى