منوعات

لماذا يستقيل المميزون؟


اقتصادنا

تعامل مع موظفيك بشكل سليم لكي لا تجدهم لاحقاً يستخدمون شبكة الإنترنت الخاصة بك للبحث عن وظائف جديدة». أرى أن كلمات مارك زوكبورغ مؤسس شركة فيسبوك صحيحة للغاية وتصب في موضوع هذه المقالة التي تحاول أن تجيب على السؤال: لماذا يستقيل المميزون؟

أذكر أنني سألت صديقي ياماغيشي ماسايوكي رئيس إحدى الشركات اليابانية عن أصعب تحد يواجهه كمدير؟ فأجاب بدون تفكير: «استقالة الموظفين المميزين وأصحاب القدرات والمهارات الخاصة!». قد نحتاج بداية لمناقشة ما الخسائر التي تجنيها الشركة أو المؤسسة برحيل الموظفين المميزين؟ أول وأكبر خسارة هي الخبرات المتراكمة والمعرفة التي امتلكها هذا الموظف من خلال العمل داخل المؤسسة والتي ستصبح ملكاً لجهات أخرى مما قد يعني انتقال هذه المعارف والتقنيات للجهات المنافسة. ومن أهم الأدوات التي ركزت عليها شركة سامسونج الكورية عند بناء قدراتها في الابتكار التقني هو استقطاب المهندسين والعلماء اليابانيين الذين عملوا في تطوير المنتجات الكهربائية في شركات يابانية مرموقة مثل سوني، توشيبا، باناسونيك وهيتاتشي وغيرها. وكانت النتيجة بعد أقل من عقدين من الزمن أن تستحوذ سامسونج على حصة كبرى من السوق وتضطر الشركات اليابانية للانسحاب من هذه القطاعات الصناعية والتجارية. الخسارة الثانية مع رحيل المميزين هي اهتزاز علاقات الثقة التي بنوها مع الشركات الأخرى ومع الزبائن ناهيك عن الزملاء أعضاء فريق العمل. ولعل البعض مر بتجربة شعر فيها باختلاف مستوى التعامل والجودة لدى جهة أو شركة بعد رحيل موظف مميز، والنتيجة هي إيقاف التعامل مع هذه الجهة والبحث عن شركاء جدد.

ولكن، هل رحيل المميزين ظاهرة تسترعي الاهتمام؟ في الواقع وحسب نتائج دراسة لموقع Inc.com فأكثر من خمسين بالمئة من مديري الشركات يفشلون في إكمال أعمالهم ويغادرون خلال أول ثلاث سنوات. وفي نفس الثلاث سنوات الأولى أيضاً يغادر ثلث المديرين التنفيذين في الشركات الخمس مئة الأولى على مستوى العالم في قائمة Fortune 500.

وننتقل للإجابة عن السؤال المهم: لماذا يرحل المميزون؟ هنالك عدة أسباب ولكن يمكن سرد أهمها كما يلي:

ضغط العمل الشديد على حساب الصحة والأسرة والحياة الخاصة، بيئة العمل غير الصحية والتي تنتشر فيها المحسوبيات والوشايات، عدم وجود التقدير الكافي من الإدارة والزملاء، عدم وضوح المسار المهني المستقبلي، ضعف الحوافز المادية، ضعف فرص التعلم وتطوير الذات، انعدام الثقة، البيروقراطية والتدخل الكبير من الإدارة العليا في أدق التفاصيل.

ومن المهم الإشارة إلى أن معظم المميزين يغادرون في الغالب لأسباب ذات صلة بالعلاقات الإنسانية مع المديرين والموظفين أكثر منها ذات أسباب مادية. ولتوضيح الصورة أكثر فالموظف المميز لا يستقيل من الوظيفة بل من الارتباط بالإدارات السيئة وتحرص الشركات الناجحة على توفير بيئة عمل وحوافز تدعم بقاء المميزين فيها وتبني لديهم الولاء والانتماء.

وتجدر الإشارة إلى أن ما يطرح هنا لا يتنافى مع الحزم في التعامل مع الموظفين غير المنضبطين أو غير الفعالين. الوضع شبيه بمدرب كرة قدم يرفض إشراك نجم كبير جداً بسبب عدم التزامه بحضور التدريبات أو تعليمات الجهاز الفني خلال المباريات. فمثل هذه الحالات كالورم الخبيث الذي يجب استئصاله مهما كلف الثمن.

وباختصار الشخص المميز هو رأس مال الشركة والمؤسسة وثروة يصعب تعويضها، لأن الخبرات والعلاقات الانسانية والثقة أمور لا تباع وتشترى مثل المنتجات والمباني والأسهم.. وأختم بكلمات رجل الأعمال الناجح (ريتشارد برانسون): «ليس من الصحيح أن الزبائن أولا، بل الموظفون أولا. إذا ما اعتنيت بموظفيك فسيعتنون هم بالزبائن!».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى