أخبار عالميةأخر الأخبار

باريس أولى معارك أوروبا ضد مركبات الدفع الرباعي

اقتصادنا – وكالات

مع تصويت الباريسيين على ما إن كانوا سيعاقبون مالكي مركبات الدفع الرباعي عبر زيادة رسوم مواقف السيارات، لا يأمل مسؤولو العاصمة الفرنسية في أن تلهم النتيجة مدناً أخرى في أنحاء أوروبا بأن تحذو حذوها، فقط إن سارت الأمور كما يريدون، بل يرمون أيضاً إلى أن يبعثوا برسالة إلى الشركات المصنعة لها.

Sorry, the video player failed to load.(Error Code: 101102)
وقال ديفيد بييار، أحد نواب عمدة باريس، والمسؤول عن النقل: «نهدف إلى أن نبعث برسالة قوية لصانعي السيارات، مفادها أنه يتعين عليهم ألا يصنعوا مثل هذه الأنواع من السيارات، ويجب حظرها تماماً».

وحرّض بييار، وهو سياسي بحزب الخُضر في الائتلاف الحاكم، الذي تتزعمه العمدة الاشتراكية، آن هيدالغو، على حظراً مماثل العام الماضي على مشغلي الاسكوتر الكهربائي في شوارع المدينة، من خلال استفتاء مشابه. وفي حين أقرّت باريس بعضاً من أكثر القيود صرامة على السيارات في أوروبا، خلال الأعوام الماضية، فإنه لم تتوفر لديها هذه المرة، الوسائل القانونية لحظر المركبات الكبيرة من السير على الطرقات.

ويصوّت الباريسيون على زيادة تكاليف مواقف السيارات، ما قد يسفر عن تضاعف الأسعار ثلاث مرات، لما يصل إلى 18 يورو في الساعة، في بعض مناطق مركز المدينة. ويأتي التصويت وسط جدل متزايد عن الدور الذي تلعبه السيارات في المدن، ما يحمل في طياته مشكلة للشركات المصنعة.

وتركّز التوتر على مركبات الدفع الرباعي، المُصممة للسير على الطرق الوعرة، وكان استخدامها مقتصراً في ما سبق على المزارعين وحراس المتنزهات، لكنها تبسط سيطرتها حالياً على الطرق الأوروبية.

وارتفعت المبيعات في 28 دولة أوروبية، بما في ذلك المملكة المتحدة، من واحدة من بين خمس سيارات في 2014، إلى أكثر من النصف في العام الماضي، بحسب مجموعة جاتو دايناميكس للبيانات. وكانت الزيادة لافتة للنظر في بعض البلدان، فقد تزايدت المبيعات في كرواتيا من 12 % من الإجمالي، إلى نحو 60 % خلال عقد.

ترى مجموعات بيئية، وكذلك ساسة أمثال بييار، أن مركبات الدفع الرباعي، تجمع معاً عدة مشكلات للمدن، حيث يصدر عن هذه السيارات المتعطشة للوقود تلوث هوائي وانبعاثات كربونية على نحو أكبر من المركبات العادية، كما تستحوذ على مساحة أكبر من الطرق، وتشكّل خطراً أعلى على المارة وراكبي الدراجات في حوادث التصادم. وحتى النماذج الكهربائية التي تحلّ محلّ النسخ ذات محرك الاحتراق الداخلي، تواجه هي الأخرى انتقادات، لكونها كبيرة على نحو غير ضروري، ولكونها أكثر تسبباً للتلوث بسبب بطارياتها الأكبر.

من ناحيتهم، يرد صنّاع السيارات، الذين تزيد مركبات الدفع الرباعي من حجم أرباحها، وتدر هوامش أكبر من السيارات الأصغر، بأن هذا هو ما يرغب فيه المستهلكون. وقال كارلوس تافاريس، الرئيس التنفيذي لدى «ستيلانتيس»، المصنعة لعلامتي بيجو وسيتروين الفرنسيتين، وكذلك جيب الأمريكية، لدى سؤاله عن المنحى الذي تتخذه باريس: «أكنّ احتراماً شديداً لأسلوب حياة عملائي».

وبالفعل، تدفع لمركبات الدفع الرباعي الحديثة، الأفضل تصميماً من النماذج الأقدم، بمركبات الميني فان خارج السوق إلى حد كبير، وهي التي اعتادت الأسر شراءها.

وقال مايك هاويس رئيس جمعية مصنعي وتجار السيارات، التي تمثل صناعة السيارات بالمملكة المتحدة: «يحب العملاء مركبات الدفع الرباعي، بسبب الوضعيات الأعلى للقيادة، ويحبون الاستعمالات المتعددة التي تقدمها».

لكن باريس لم تكن أولى المدن في فرض رسوم أكثر صرامة على مركبات الدفع الرباعي، فقد فرضت ليون، ثالث أكبر المدن الفرنسية، رسوماً أعلى. وتستند رسوم مواقف السيارات في عدة أقاليم في لندن، تشمل غرينيتش ولامبث والحي المالي، على الشريحة الضريبية للمركبة، ما يضمن فرض رسوم أعلى على السيارات الأكبر، أو النماذج الأكثر تسبباً في الانبعاثات. وتوجد لدى مدينة توبينغن الألمانية، وقطاعات من مونتريال الكندية، رسوم مواقف سيارات تستند إلى وزن المركبة.

ويُنظر إلى العاصمة الفرنسية باعتبارها رائدة في مسألة التنقل. فقد اتسمت المدينة بالسرعة في بسط طرق سريعة للدراجات منذ جائحة فيروس «كورونا»، وأفردت مناطق منخفضة الانبعاثات، وعبّدت طرقاً رئيسة للمرور من أجل المشاة، وتعتزم حظر السيارات التي تستخدم الديزل، اعتباراً من 2025.

وقال ينس مولر نائب مدير حملة مدن نظيفة لدى مجموعة الضغط البيئية، ترانسبورت آند إنفيرومنت: «ما يحدث في باريس لن يظل منحصراً في باريس»، وتابع أن المدينة ستبعث «بإشارة قوية للآخرين لكي يسيروا على نهجها». وستختلف الرسوم حسب الدوائر الإدارية، ولكن لن تُطبّق على الباريسيين المتمتعين بتصاريح وقف سيارات في المناطق المتاخمة لهم مباشرة. لكن ملّاك السيارات التي تزن أكثر من 1.6 طن، سيتضررون بدرجات متفاوتة، إذا ما غادروا أحياءهم.

قد ينتهي الحال بأن يكون إقبال الناخبين ضئيلاً، بيد أن استطلاعات الرأي أظهرت تأييد نحو 60 % من الباريسيين لفرض رسوم أعلى. وكان الترويج لمركبات الدفع الرباعي، عاملاً من العوامل التي زادت من عدد مناهضي مثل هذه المركبات.

أوضح بييار: «لقد قدموها لنا في الإعلانات داخل دور عرض السينما، وفي المجلات، وبهذه الفكرة التي تنطلق من أنها تَعِد بالحرية». ومع ذلك، لفت بييار إلى أن المستهلكين صاروا أكثر دراية بالفجوة بين الصورة والواقع، منوّهاً بأن «صورتها آخذة في التدهور»، وأضاف: «آمل في أن ينعكس ذلك في صناديق الاقتراع».

وأعلنت هيئة معايير الإعلام في المملكة المتحدة، أواخر العام الماضي، حظر إعلان «تويوتا»، الذي يُظهر شاحنات من طراز «هايلكس»، وهي تسير عبر مجرى نهري، وقالت إنه «ليس ثمة اعتبار للتأثير البيئي لمثل هذه القيادة».

يرى نشطاء أن المستهلكين تعرضوا للخداع، باستمالتهم نحو التفكير في حاجتهم لمركبة تزن طنين للذهاب إلى التسوق، أو توصيل أولادهم إلى المدرسة.

وهناك أيضاً مسألة متعلقة بالحجم، إذ يزداد حجم المركبات رباعية الدفع بمقدار سنتيمتر واحد في المتوسط كل عامين، بحسب ما أفادت بيه «ترانسبورت آند إنفيرومنت». وتسمح قواعد الاتحاد الأوروبي للمركبات رباعية الدفع، وسيارات أخرى بأن تكون بعرض حافلة.

ومع ذلك، يصر مصنعو السيارات على نهجهم. ففي الولايات المتحدة، كانت «كرايسلر» أولى الشركات التي توقفت عن صناعة علاماتها التجارية للسيارات، لتصنّع، حصراً، المركبات متعددة الاستخدامات، ومركبات الـ «كروس أوفر»، والشاحنات. وحذت كل من «فورد» و«جنرال موتورز» حذوها منذ ذلك الحين.

وفي أوروبا، تصنّع الشركات سيارات بغير الدفع الرباعي، لكنها تحاكي المركبات ذات وضعيات القيادة المرتفعة. وعززت «فولكس فاغن» ارتفاع آخر سيارات طراز «غولف»، فيما تخلصت «فورد» تدريجياً من نموذج «فييستا» الصغير، لكن واصلت بيع طراز «بوما»، وهي نسخة مماثلة، لكنها أكثر ارتفاعاً.

ويطرح المدافعون عن هذه السيارات حُجة أن مركبات الدفع الرباعي واحدة من أكبر القطاعات التي تشهد ابتكاراً كهربائياً. وحلّ نموذج «واي» الكهربائي الأصغر من المركبات رباعية الدفع الذي تصنعه «تسلا»، في المرتبة الأولى بقائمة أكثر السيارات مبيعاً في العالم بالعام الماضي، وحلت محل «راف 4» التي تصنعها «تويوتا»، وهي مركبة كدمجة رباعية الدفع.

وقال فيليبي مونوز، المحلل لدى «جاتو جايناميكس»: «في اعتقادي، هذه الزيادة المرتقبة للرسوم سياسية أكثر منها واقعية»، وأضاف: «حينما نتحدث عن الانبعاثات، فإن أكبر تقدم من حيث تقليصها كان من نصيب قطاع المركبات رباعية الدفع، لكونه الأكثر استقبالاً لمزيد من النماذج الكهربائية في الأعوام الماضية».

وبالنسبة للمسؤولين التنفيذيين في صناعة السيارات، لا تشكل نتائج استفتاء باريس مصدراً مباشراً للقلق، في ما يتعلق بفقدان زخم المبيعات، لكنه مع ذلك إشارة إضافية على التحركات السريعة التي تشهدها الاتجاهات السياسية بشأن السيارات، ما يلقي بقدر كبير من عدم اليقين على خططهم على المدى الطويل.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى