الشرق الأوسط

محمود مشارقة يكتب : أنسنة الأرقام واحتكار المعلومة

محمود مشارقة
محمود مشارقة

اقتصادنا – دبي

كتب الخبير الاقتصادي محمود مشارقة مقالا نشر على صفحته الرسمية على فيسبوك بعنوان “أنسنة الأرقام واحتكار المعلومة ” انتقد فيه الواقع الاحصائي وتأثيرات المعلومات المضللة على الاقتصاد وجاء على النحو التالي :

أنسنة الأرقام مهمة ليست سهلة في ظل وجود كم هائل من الاحصائيات الصماء التي تصدر كل يوم وتحتاج لتحويلها إلى معلومات مفيدة للقارئ، لكنها تفتقر لراصد حقيقي متخصص يحلل هذه الأرقام بدقة وموضوعية .
ماذا تعني الأرقام عند عرضها؟ تعكس بلا شك شفافية عالية سواء على صعيد الميزانيات، أو هيئات الإحصاء أو حتى الشركات والمؤسسات العامة، ولكن ما يحدث في كثير من الأحيان العكس ، فإذا نشرت الأرقام تأتي مبتورة ومتأخرة وتفتح مجالا للتأويل وقد تعطي مؤشرات على فساد واستغلال المال العام أو الإسراف في الانفاق على حساب دافعي الضرائب والمستحقين.
يقول أحدهم الأرقام لا تكذب وإنما تجمل الصورة، لكن دقة الصورة تعتمد على وجود أرقام دقيقة تعكس الأداء الفعلي وليست أرقام كاذبة ومضللة تخفي ورائها مبالغة ونفقات تائهة.
المقصود بالأنسنة هنا تحويل الأرقام إلى حقائق، وإظهار الرقم في سياق إنساني وليس المعلوماتي فقط، وترجمة الجهود البحثية والاحصائية إلى نتائج معلوماتية تطرح أمام العامة، وتكون مؤشرا للمتابع على الصعيد الاقتصادي ما يمكن صانع القرار والمخطط للاستراتيجيات من تحديد اتجاهات المستقبل وفقا للجدوى والعائد المتوقع.
تقوية هيئات المحاسبة في أي دولة يعد ضرورة ملحة عبر تعزيز استقلاليتها بعيدا عن الهيمنة الحكومية وضغوطها ، ويجب توفير البيئة والقدرة المناسبة على التعاطي مع المعلومات بشكل سريع، وبدون المكننة والتحول السريع الى الحكومة الالكترونية ستواجه هذه الهيئات مصاعب تحولها الى عبء على الدولة بدلا من ممارسة مهمة تدقيق حسابات وتقييم أدائها.
بدون الشفافية في المعلومات والارقام تبقى الإدارة والعمل الحكومي بعيدة عن المساءلة والنقد البناء والمشاركة الشعبية في صنع القرار ومراقبة مؤسسات الشأن العام، وتزيد من حالات التفرد في القرار بناء على الصلاحيات الممنوحة لرئيس أو مدير هذه المؤسسة أو تلك.
إصلاح القطاع العام وتطوير الإدارة الحكومية وجعلها قوية وقادرة وفعالة سيفضي الى تحسين الأداء وتحسين جودة الأرقام المعلنة، فأفضل خطط التطوير يمكن أن يكون مصيرها الفشل إذا وضعت بأيدي موظفين وإداريين غير قادرين ومؤهلين على الارتقاء بالخدمات، فلا فائدة أو جدوى للتغيير إذا لم ينعكس على مصداقية الأرقام وجودة مؤشرات الأداء، وهنا لا بد من تنمية الموارد البشرية وتقويتها لتحقيق إدارة فاعلة، تبتعد عن المحسوبيات والاعتبارات الخفية في اختيار أفضل الكفاءات للعمل في الجهاز الحكومي والوظائف العليا.
الخلاصة .. المعلومة يجب أن لا تكون حكرا على أحد ، وبدلا من اخفاء الأرقام وابقائها حبيسة الادراج الحكومية يمكن ترجمتها إلى معلومات عن واقع الدولة ومستقبلها ، فالتطور الاقتصادي لا يبنى من فراغ، والحروب العالمية اليوم كما ترون تحولت من الأسلحة التقليدية التي تحصد أرواح الآلاف إلى حروب معلوماتية الفائز فيها من يتحرك سريعا على ضوء المعلومة والأرقام الدقيقة التي تدفع الى التفوق والاستباقية في الميدان أو الخسارة والتخلف عن الركب.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى