أخر الأخبارالشرق الأوسط

محمود مشارقة يكتب اقتصاد المستوطنات .. وتسويق الوهم

اقتصادنا – دبي
أرقام صادمة أوردها تقرير برنامج الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “أونكتاد” حول خسائر التنمية الفلسطينية جراء الاستيطان، والتي تدق ناقوس الخطر حول فرض إسرائيل سياسة الأمر الواقع في معادلة الصراع وحلول السلام المستحيلة.

التقرير يؤكد أن القيود التي فرضها الاحتلال على التنمية الفلسطينية في الأجزاء التي تسيطر عليها من الضفة الغربية، كلّفت الاقتصاد الفلسطيني 50 مليار دولار بين عامَي 2000 و2020 ، كما يشير إلى ان المساهمة السنوية للمستوطنات في الاقتصاد الإسرائيلي تبلغ 41 مليار دولار، أو 227 % من الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني لعام 2021.

هذه الأرقام تظهر بشكل جلي أن الأبعاد الاقتصادية للاستيطان خلال العقدين الماضيين تفوق الأبعاد الأيدلوجية، التي تتحدث عن المشروعية الدينية الزائفة للضم، وتشير بوضوح إلى أن العالم أمام عملية نهب وسرقة ممنهجة للأراضي الفلسطينية من أسوأ احتلال في التاريخ.

ليس مصادفة أن يصف أحد الخبراء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين بأكبر عملية نصب عالمية، ويؤكد أن هذا الاحتلال هو الارخص في التاريخ والأقل كلفة فهو لم يكتف بتحمل مسؤولياته تجاه المدنيين العزل قانونيا، لا بل زاد من فرض الحصار والتضييق على الفلسطينيين كلما أتيحت له الفرصة، حيث تغول الاستيطان بشكل لافت في مناطق الضفة الغربية، واستولت دولة الاحتلال فعليا على معظم الثروات الطبيعية الفلسطينية، وعلى رأسها المياه والمعادن والطاقة وخصوصا الغاز ولم تسلم حتى الحجارة من السرقات في مشهد يتناقض مع قواعد القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.

السؤال الذي يطرح نفسه هل يمكن تحويل ما تبقى مِن اراض فلسطينية لم يصلها التهويد الى مشروعات اقتصادية فاعلة ومربحة وتطوير البنى التحتية للمناطق الفلسطينية المتبقية كرد على المشروع الاقتصادي الإسرائيلي القائم على المصادرة والتهويد؟

نظرة سطحية للواقع تظهر أن لا يوجد استغلال حقيقي للموارد المتبقية وسط اتهامات بتلكؤ الفلسطينيين في الاستثمار الأمثل للأراضي الواقعة تحت إدارتهم ، لكن الحقيقة مغايرة تماما ، وتظهر أن السلطة الفلسطينية مكبلة باتفاقيات أوسلو الفاشلة ، وبحسب التقرير، فإن إسرائيل كقوة احتلال ضمت ما يزيد عن 70% من مناطق C ضمن حدود ما يسمى المجالس الإقليمية للمستوطنات، مما يعني أنها خارج مناطق الاستفادة الاقتصادية الفلسطينية، وهذا يعني أيضا أن المناطق الفلسطينية مقيدة اقتصاديا ، ولا سيادة وطنية عليها من أصحاب الأرض والتاريخ.

ماذا لو تحول الصراع من استعادة الحقوق إلى المحافظة على ما تبقى من الأراضي؟ نحن نتحدث هنا عن استفادة إسرائيل من اقتصاد المستوطنات بمبالغ تتجاوز 800 مليار دولار خلال عشرين عاما ، وقد تكون الأرقام قد تجاوزت التريليون دولار إذا تم حساب التضييق على المنتجات الفلسطينية ودفعها للتوقف والاغلاق .

الخلاصة: الاستيطان مشروع اقتصادي مربح لإسرائيل على المدى القصير، لكنه نواة انفجار مقبل للمنطقة على المدى المتوسط والطويل ، وخصوصا بعد أن أفرزت الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة فوز يمين متشدد يسعى لزيادة الاستيطان وانشاء جيش خاص للمتطرف إيتمار بن غفير لحماية أكثر من 650 ألف مستوطن إسرائيلي في الأراضي الفلسطينية.

إن الاستمرار في التضييق الاقتصادي يمكن أن يدفع إلى العودة للمربع الأول وتجدد الصراع بأشكال جديدة مع تراجع قوة السلطة الفلسطينية ودورها على الأرض، وهنا لا شعارات السلام الاقتصادي والتنمية المشتركة والتطبيع الاقليمي ستكون مقبولة مستقبلا.. لا يمكن لاسرائيل ساعتها تسويق الوهم من جديد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى