الشرق الأوسط

محمود مشارقة يكتب خطر إيقاظ “الدب” الروسي

محمود مشارقة
محمود مشارقة

اقتصادنا – دبي

كتب مدير قسم أسواق المال في صحيفة الاقتصادية الخبير الاقتصادي والمختص في الشؤون الروسية محمود مشارقة عبر صفحته في وسائل التواصل الاجتماعي فيسبوك مقالا تحت عنوان
خطر إيقاظ “الدب” الروسي وجاء مقاله على النحو التالي

هل تقوم روسيا بغزو أوكرانيا ؟ وما دوافع موسكو وراء التصعيد العسكري الأخير ضد كييف ؟ وماذا سيفعل الغرب غير التلويح بسيف العقوبات ضد الكرملين ؟ وما المخاطر الاقتصادية لتأجيج الصراع الغربي- الروسي ؟ .. أسئلة كثيرة تشغل بال المتابعين في عالم السياسة والاعمال .
للإجابة على هذه التساؤلات يجب العودة الى أساس الأزمة ولماذا أيقظ الغرب الدب الروسي وجعله يعزز قواته على تخوم أوكرانيا.
للعارفين بكواليس الحياة السياسية الروسية ، تمثل الجمهوريات المستقلة سابقا عن الاتحاد السوفياتي عمقا استراتيجيا لروسيا الاتحادية، ويعود بداية التوتر مع أوكرانيا الى عام 2004 ، عندما اندلعت “الثورة البرتقالية” في كييف احتجاجا على الواقع الاقتصادي واستمرار التدخل الروسي في شؤون البلاد، وللمطالبة بمحاربة الفساد، وإنشاء مؤسسات ديمقراطية حقيقية ، حيث حققت هذه الثورة انتصارا بالتظاهرات السلمية.
الغرب في ظل التوترات الروسية -الأوكرانية أصبح يبحث ممثلا بحلف شمال الأطلسي عن موطئ قدم في أوكرانيا ، وهنا بدأت روسيا في تغيير استراتيجيتها لمنع أي تهديد لحدودها لتقوم بعد 10 سنوات من التجاذبات باحتلال شبه جزيرة القرم في عام 2014 عبر استفتاء شعبي يدعمه أغلبية سكان روسية في هذه المنطقة ، لتبدأ موسكو شكلا جديدا من الحرب الباردة مع الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين .
تاريخيا كانت الامبراطورية الروسية قد سيطرت على شبه جزيرة القرم وضمتها اليها ابان حكم كاثرين العظيمة في عام 1783، وظلت جزءا من روسيا الى عام 1954 عندما قام الزعيم السوفيتي الأسبق نيكيتا خروشوف باهدائها الى جمهورية أوكرانيا السوفيتية آنذاك لتعزيز الوحدة بين الروس والأوكرانيين الذي يجمهم تاريخ وقواسم دينية وثقافية مشتركة .
وتسعى روسيا اليوم بحشد 170 ألف جندي على الحدود مع جارتها الى الضغط على الغرب للتعهد بعدم ضم أوكرانيا إلى حلف الناتو، في غزو محتمل وتصعيد يمكن ان يهدد الهيكل الأمني لأوروبا بالكامل ويعرضه للخطر.
موسكو تعتبر التحركات الغربية وخصوصا الامريكية في أوكرانيا نهجا عدائيا ضدها وأخذتها على محمل الجد باعتبار توسع الناتو شرق أوروبا ونشر أسلحة في الدول المجاورة لها تهديدا وجوديا.
لكن هل سيعيد التلويح الأمريكي الأوروبي بسلاح العقوبات ضد روسيا في حال غزوها أوكرانيا الدب الروسي الى الوراء ، خصوصا أن “الدب” شعار حزب روسيا الموحدة الذي يقوده الرئيس فلاديمير بوتين .
قراءة متأنية لتفاصيل المشهد تظهر أن التصعيد سيد الموقف ، وقد بدأ العد التنازلي لدق طبول الحرب ما لم يتراجع أحد الطرفين عن التصعيد وسط حديث في الاروقة الخلفية عن محاولة بوتين اسقاط نظام كييف بطرق أخرى غير عسكرية ، لكن المؤكد أن موسكو ستعيد ترتيب استراتيجيتها في دول الاتحاد السوفياتي سابقا وخصوصا المناطق المجاورة بما يضمن انتصارها في الحرب الباردة الحالية والتي قد تتحول الى حرب ساخنة حقيقية في أي وقت .
ويبدو أن سلاح العقوبات الاقتصادية لن يكون ناجعا لردع أي تحرك روسي في ظل غياب امكانية اللجوء إلى القوة العسكرية في مواجهة موسكو وفي ظل امتلاك بوتين أدوات عسكرية واقتصادية ساحقة بمساعدة صينية يمكن ان تغير المعادلة العالمية وتقلبها بالكامل .
وبحسب وكالة “بلومبيرج، بدأ الكرملين بناء تحصينات مالية وضبط أوضاع الاقتصاد الكلي وقلص الاعتماد على الدولار الأمريكي، ودعم الإنتاج المحلي البديل للواردات. ولدى روسيا عبء دين عام منخفض نسبيا، واحتياطي نقدي من العملات الأجنبية يقترب من 640 مليار دولار وغطاء مالي يعادل نحو 12 % من إجمالي الناتج المحلي، في صورة صندوق الثروة الوطني مما يعطي روسيا القوة في المواجهة الاقتصادية ، لكن انعكاس العقوبات على المدى الطويل قد يؤثر على المواطن الروسي مع تجاوز سعر الروبل مستوى 80 أمام الدولار .
كما أن بوتين يحظى بشعبية كبيرة في أوساط الروس باعتباره قائدا وطنيا كبيرا حقق إنجازات في تعزيز حياتهم المعيشية وترسيخ مكانة بلادهم الدولية ، كما يحظى بدعم وتأييد في أوساط الشباب لاستعادة أمجاد روسيا القديمة والتاريخية.
الخلاصة : ايقاظ الدب الروسي من سباته سيعرض أمن أوروبا للخطر سياسيا واقتصاديا وخصوصا في مجال الطاقة ، حيث تعتبر موسكو المورد الرئيسي للغاز والنفط للقارة العجوز وأي اختلالات اقتصادية سيكون لها انعكاسات وخيمة وستفتح جبهات في مناطق نفوذ متعددة . من هنا يبدو العالم اليوم أمام مأزق حقيقي يتمثل في خطر نشوب حرب عالمية ثالثة لكن بأدوات ووسائل وتحالفات مختلفة عن السابق.

*خبير اقتصادي ومختص في الشؤون الروسية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى