الشرق الأوسط

مشارقة يكتب “مير” في مواجهة “سويفت” .. هل يتغير نظام المدفوعات العالمية؟

محمود مشارقة
محمود مشارقة

اقتصادنا – دبي
كتب مدير قسم أسواق المال في صحيفة الاقتصادية والخبير في الشأن الروسي محمود مشارقة عبر صفحته في وسائل التواصل الاجتماعي فيسبوك مقالا تحت عنوان“مير” في مواجهة “سويفت” .. هل يتغير نظام المدفوعات العالمية؟
ولفت المحلل بملاحظة في إحدى التعليقات على صفحته ولمتابعيه بأن المقالات التي يكتبها دوريا في مواقع التواصل الاجتماعي وخصوصا فيسبوك جزء من مدونة تعبر عن رأيه الشخصي ولا تمثل رأي جهة او موقفها .. ورجا من المواقع الالكترونية في حال نقل أي مقال الاستئذان وكتابة المصدر حفظا للحقوق ودمتم .
وجاء مقاله على النحو التالي
لم يخطر في بال أكثر المتشائمين أن الغزو العسكري الروسي لأوكرانيا سيشعل فتيل حرب اقتصادية طاحنة بين موسكو والغرب ، تبدأ بعقوبات اقتصادية قاسية وتنتهي بالعزل من التجارة الدولية .
القنبلة النووية في هذه الحرب كما تصفها صحيفة لافيجارو الفرنسية هي طرد روسيا من نظام المدفوعات العالمية “سويفت” ، الأمر الذي يعني تعطيل تجارتها الخارجية بالكامل ، وما قد يتمخض عن ذلك من وقف مدفوعات صادرات النفط والغاز والمعادن والأسمدة والقمح والذرة وغيرها من المواد الغذائية التي يستوردها العالم من روسيا .
الاستبعاد من سويفت الذي أعلنته الولايات المتحدة ودول أوروبية ليلة السبت / الأحد يشمل مؤسسات مصرفية روسية بعينها ولا يعتبر عزلا كاملا لروسيا عن النظام المالي الدولي، ويتبع القرار إجراءات تحد من قدرة البنك المركزي الروسي على استخدام احتياطياته المالية الدولية أو استغلالها لتمويل الحرب ضد أوكرانيا.
لكن السؤال المطروح، من أكبر المتضررين من استبعاد روسيا من نظام سويفت وما بدائل موسكو في تجارتها الدولية؟
بداية .. الاستبعاد سيؤدي الى عواقب وخيمة على روسيا وكبار شركائها التجاريين في نفس الوقت، وكون أوروبا تستورد ثلث احتياجاتها من النفط والغاز من روسيا ، فستكون الأكثر تضررا من غيرها بهذه الخطوة ، التي ستعرض أمن الطاقة فيها للخطر، كما أن الطرد سيؤدي لاختلالات في التجارة الدولية وظهور عراقيل إضافية في سلاسل الامداد العالمية ويجعل المصارف الروسية الكبرى غير قادرة فعليا على تحويل أو تلقي الأموال مع المؤسسات المالية الأجنبية لقاء التعاملات التجارية مما يعني عزلة كاملة لنظام فلاديمير بوتين عن العالم .
للإحاطة ، لوح الغرب بطرد روسيا من منظومة المدفوعات الدولية من قبل ، وتم تهديدها بالإقصاء في عام 2014 إبان احتلالها شبه جزيرة القرم ، ولكن لم تنفذ التهديدات وقتها ، ولدى العالم تجربة مشابهة مع ايران التي تم عزلها عن نظام سويفت بفعل العقوبات الأمريكية على طهران نتيجة برنامجها النووي ، وفيما تحايلت ايران على الاستبعاد بطرق أخرى للمقايضة والدفع لتجارتها الدولية ، لكن الالتفاف على العقوبات الدولية لم يجنبها الانهيارات الاقتصادية والسقوط الحر لعملتها وشح في العملات الأجنبية التي تعاني منه حاليا ، وتكرار سيناريو إيران مع روسيا مستبعد نظرا لتمتع الأخيرة باقتصاد قوي ومؤثر فعليا في المنظومة العالمية.
روسيا تؤمن أن استبعادها من سويفت سيكون كارثة لشركائها التجاريين وليس لها لوحدها ، ولذلك عمدت بصمت منذ عام 2015 على تطوير نظام مدفوعات خاص بها يحمل إسم “مير”، والذي سيكون بديلا محتملا في تعاملاتها المالية والتحويلات الداخلية وفيما بعد الخارجية ، ما قد يشكل تهديدا لمنظومة المدفوعات العالمية الحالية ، والسيناريو الأسوأ أن تتعدد اقطاب المدغوعات إذا تطورت موسكو وحليفتها الصين ودول شمولية منظومة تحويلات خاصة بها، تكون رديفا ينهي السيطرة الأمريكية الغربية وتحكمها بنظم التحويلات المالية في العالم .
في ظل هذه المعطيات يبدو أن نظام سويفت الذي تستخدم منظومته أكثر من 11 ألف مؤسسة مالية في 200 بلد باعتباره العمود الفقري لنظام التحويلات المالية في العالم أمام منافسة مرتقبة مع نظام مير الروسي ونظام إس بي إف إس الخاص بتحويلاتها موسكو مصرفية، وربما نشهد بزوغ أنظمة مدفوعات أخرى وبمسميات مبتكرة خارجة عن السيطرة تعمل بوسائل الدفع عبر العملات المشفرة بعيدا عن رقابة البنوك المركزية وعقوباتها، ولهذا يبدو الجميع على قناعة بان الاقصاء من منظومة “سويفت” ، هو الخيار الصعب للجميع في الحرب الاقتصادية ضد روسيا .
وبحسب المعلومات المتاحة ، “مير” هو نظام دفع روسي تم إطلاقه في عام 2015 ليكون بديلا لأنظمة الدفع الأجنبية ، بغض النظر عن العوامل السياسية والاقتصادية الخارجية. ويتم تشغيله بواسطة نظام بطاقة الدفع الوطني ، المملوك من قبل البنك المركزي الروسي وتتم جميع المدفوعات فيه داخل النظام بالروبل. ويتم تقديم خدمات بطاقات مير حاليًا في 12 دولة حسب البيانات المتاحة ، وهي تركيا وفيتنام وأرمينيا وبيلاروسيا وأوزبكستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وكازاخستان وأوسيتيا الجنوبية وأبخازيا وقبرص والإمارات.
وبحسب مسؤولين روس من شأن فقدان الوصول إلى نظام سويفت أن يؤدي الى أضرار مالية للبلاد تعادل 5 ٪ من الحجم السنوي لاقتصادها ،كما يتوقع بحسب مصادر مستقلة أخرى أن يؤدي الاستبعاد الى ارتفاع الأسعار في روسيا وتباطؤًا حادًا في التدفقات المالية.
أخيرا ، يبدو أن أسلحة المواجهة في الصراع بين روسيا والغرب لم تستخدم كلها بعد وخصوصا بعد “سويفت” لأنه ليس النظام الوحيد للمدفوعات في العالم لكنه الأشهر عبر تنفيذه عمليات بمئات المليارات من الدولارات يوميا، والمؤكد أن العالم لن يغض الطرف عن احتلال دولة أوروبية مهما كانت الاعتبارات الأمنية واسبابها لموسكو ، فالتاريخ يقول أن الانهيار الاقتصادي كان أحد أبرز الأسباب وراء سقوط الإمبراطورية السوفيتية .. فهل يعيد التاريخ نفسه أم أن روسيا تعلمت من أخطاء الماضي ولن توقف العقوبات على اقتصادها طموحها في استعادة أمجاد عهد لينين وبعده ستالين البائد من جديد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى